تعتبر اليمين أحد طرق الإثبات الهامة في القضاء، وتعرف بأنها تأكيد حق أو نفيه أمام القاضي بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته، وهي مشروعة في الكتاب لقوله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}، وفي السنة من قوله صلى الله عليه وسلم «لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه» وفي رواية «ولكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر» ويؤديها الخصم أمام القضاء بناء على طلب الخصم الآخر أو طلب المحكمة عند انعدام الدليل أو عدم كفايته، وصيغتها أن يحلف باسم الله أو صفة من صفاته مثل أن يحلف: بالله الذي لا إله إلا هو، ويحلف الكافر بالله كالمسلم ولا تنعقد بغير اسم الله عز وجل، وتنعقد اليمين بمجرد النطق بها، أما إذا استثنى الحالف وقال إن شاء الله لم تنعقد اليمين لزوال حكمها، وصفة اليمين أن يحلف الحالف على البت والقطع على فعل نفسه سواء نفياً أو اثباتاً لأنه أعلم بأفعاله، واليمين تكون على البت والقطع إلا على نفي فعل الغير فيحلف على نفي العلم فيقول والله لا أعلم أنه فعل كذا لأن الإنسان لا علم له بحقيقة أفعال غيره. ويشترط في اليمين أن تكون واقعة متعلقة بشخص من وجهت إليه وأن يكون عاقلاً بالغاً مختاراً منكراً للحق المدعى به ويشترط في ذلك الحق أن يكون جائز الإقرار به، غير متعلق بحقوق الله كالقصاص والحدود، ولا تعتبر يمين الصغير والمجنون والمستكره، ولا يحلف الوكيل والولي والقاصر، ويشترط في من يوجه إلى خصمه اليمين أن يبين بالدقة الوقائع التي يريد استحلافه عليها وتعد المحكمة صيغة اليمين اللازمة شرعاً، وليس من حق الخصم أن يوجه اليمين لخصمه على وقائع ليست لها علاقة بالدعوى محل النزاع، وللقاضي رفض توجيهها إذا تبين له عدم أحقية طالبها، ولا تكون اليمين ولا النكول عنها إلا أمام قاضي الدعوى في مجلس القضاء ولا يعتد بهما خارجه، ويجب أن يكون أداء اليمين في مواجهة طالبها إلا إذا قرر تنازله عن حضور أدائها أو تغيب بعد تبلغه بالجلسة دون عذر تقبله المحكمة وإذا نازع من وجهة له اليمين بعدم تعلقها بالدعوى لزمه بيان ذلك فإن لم يقتنع القاضي بذلك أنذره ثلاثا فإن حلف وإلا عد ناكلا. ولا يجوز توجيه اليمين في المسائل المتعلقة بحقوق الله المحضة وما ليس بمال وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والولاء لأنها لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين فلا تعرض فيهما اليمين كالحدود، واليمين منها ما تكون حاسمة وهي الموجهة من الخصم إلى خصمه حسما للنزاع بينهما عند فقد الدليل لإثبات دعواه، فإن أداها الخصم الموجهة إليه خسر موجهها دعواه وإذا نكل عنها وحلف المدعي كسب دعواه، وأما اليمين المتممة فلها حجيتها وهي حق للقاضي يقوم بتوجيهها لأي من الخصمين في الدعوى وذلك لاستكمال قناعاته وبخاصة إذا لم تكن الأدلة المقدمة في الدعوى كافية، وفي ذلك سلطة تقديرية متروكة للقاضي في أن يقضي بها أو يطرحها وفقاً لعناصر أخرى متوفرة لديه في النزاع الذي ينظر فيه، وأما يمين الاستظهار فهي استثنائية للضرورة أو الحاجة إذا قامت البينة على الغائب أو ناقص الأهلية. واتفق الفقهاء على أن المدعي يحكم له بحقه إذا قدم شاهدين على دعواه وقبلت شهادتهما، أو شاهد ويمين لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضي باليمن (مع الشاهد، وإذا عجز عن البينة وطلب تحليف خصمه وحلف خسر دعواه، وأما إذا امتنع الخصم عن أداء اليمين)٭ دون عذر، فختلف الفقهاء في هذه الحالة على قولين الأول أن يحكم عليه بمجرد نكوله والرأي الآخر يرد اليمين على المدعى فإن حلف حكم له بحقه وهذا الرأي له وجاهته، ونخلص إلى أن اليمين الكاذبة جريمة دينية واثم كبير واستهانة وتجرؤ على الله عز وجل وفي الحديث «من حلف على يمين هو فيها فاجر، ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» وتوعدهم الله بقوله {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}. تعتذر الجريدة للكاتب وقراء الصفحة إسقاط هذا الجزء من مقال الأسبوع الماضي وتعيد نشره للفائدة. [email protected]