أصابتنا الحيرة، والدهشة من كثرة ما نُشر عن البلدان التي سيسمح لنا باستقدام عمالة منزلية منها.وأظن أننا وقعنا في قبضة مصادر متعددة في هذه القضية العائلية سواء كانت رسمية، أو غير رسمية فمجرد ان تحدث أزمة تأخير في استقدام (العمالة الأندونيسية) بالذات وهي التي تمثل الأكثرية تظهر - على صفحات الصحف - الأخبار عن البديل، أو البدائل (وكأن عجلة التنمية قد توقفت).. فقد قيل لنا قبل عامين تقريباً ان حدودنا ستكون مفتوحة (بحراً، وجواً) لعمالة منزلية قادمة من الصين (ورأينا عمالة صينية، ورأينا عاملين صينيين، ولكننا لم نستقبل عاملات صينينات). ثم هدأت العاصفة الصينية فترة لتظهر عاصفة فيتنامية، وبعدها بوقت قصير جداً ظهرت عاصفة غانية، والعاصفة الأخيرة قيل لنا أنها الآتية لا محالة. ومع كل عاصفة يقولون لنا: لا تقلقوا.. لدينا عمالة جديدة أرخص، وأسرع، وأفضل، وهكذا، وتعود المياه إلى مجاريها فننسى كل ما قيل لنا من عمالة منزلية جيدة، ورخيصة وسريعة (ربما تأسياً بالمثل الشعبي المعروف الذي يقول: وجه تعرفه أفضل من وجه تنكره) فنتمسك بالوجه الذي نعرفه، ويعرفنا، ونطوي صفحة الخلاف)! الطلاق الثالث يفتح الأبواب ويعيش السعوديون حالياً على أبواب (الطلاق الثالث) مع العمالة الأندونيسية، وفي حالة وقوع هذا الطلاق فلا فائدة من عودة الأمور لطبيعتها السابقة، ويصبح من الضروري ان نفتح الأبواب (على مصراعيها) بكل الاتجاهات. الاتجاهات الآسيوية التي قيل لنا عنها، والتي نشرت الأخبار حولها والمتضمنة استقدام (عمالات منزلية) من الصين، ومن فيتنام. والاتجاهات الأفريقية - التي شكلت مفاجأة للجميع - والمتضمنة استقدام عمالة منزلية من غانا، ولا مانع ان كانت هناك عمالات منزلية أخرى يراها اخواننا في مكاتب الاستقدام، وينصحون بتحويل التأشيرات عليها، ويعتقدون بمهارتها وسرعتها ورخصها بصرف النظر عن لغتها فنحن نعيش في مدن متعددة اللغات واللهجات والأجناس وأصبح لدينا قدرة على التعامل معها جميعاً، وإذا أضيفت لنا عمالة منزلية - كما ذكرت الصحف - من غانا فما يمنع ان نجرب جيران غانا حتى نصل للعمالة المنزلية المثالية، ثم - وهذا شيء مهم - أننا نعيش في زمن العولمة، والانفتاح العالمي واختفاء الحدود فيكون - شيئاً عادياً - ان نستقدم عمالة من أي مكان في الدنيا من الشرق والغرب والشمال والجنوب (دون ان يتعصب علينا أحد، ودون ان نتعصب على أحد، ودون ان يستفزنا أحد ودون ان نستفز أحد ودون ان يتبغدد علينا أحد ودون ان نتبغدد على أحد).. وان يتعامل الجميع بود، واحترام وتقدير ولا يرى أي طرف أنه أكبر من الآخر وانه سيده وانه الآمر الناهي وأنه.. وأنه.. وإذا كان خلافنا مع (العمالة الأندونيسية) مادياً فيمكن تسويته، وإذا كان بشأن ساعات العمل، والإجازة الأسبوعية فيمكن الاتفاق عليه عند توقيع العقد، وإذا كان الخلاف على شيء آخر غير هاتين القضيتين فيمكن توضيحه وإعلانه واقناع المعنيين والمهتمين بما يجعلهم ينصرفون كلياً دون (حسرة أو ندم ) بحكم العشرة الطويلة، والعلاقات الحميمة التي جمعت أطرافاً من هنا بأطراف من هناك. وعلى طريقة (وجه تعرفه أحسن من وجه تنكره) فإن الأفضل - من وجهة نظر الكثيرين والكثيرات - الا يقفل أحد الطرفين الباب في وجه الآخر وان يوار به عند الأزمات والمشاكل تقديراً للعلاقات الإنسانية التي تجمع بينهما! ماما نور شرقاً، خالة مريم جنوباً ونحن هنا - لسنا أصحاب مصلحة من قريب أو بعيد - فقد مررنا كغيرنا بمتاعب ومشاكل وأزمات ولم نوفق كغيرنا في الاستفادة من تأشيرات الاستقدام أكثر من التوفيق الذي - حالفنا - من استقدام العمالة المتوفرة في السوق السوداء (مقابل الاستسلام لشرط تركهن ا لخدمة لأي سبب من الأسباب المفاجئة والمباغتة)؟ وهذه السوق السوداء (التي تمد بيوتنا باحتياجاتها من الشغالات بعد رفع أجرهن من 600 إلى ألف ريال، وإذا صاحبها زوجها المفترض كان له نفس الأجر).. نقول ان هذه السوق السواء - طال عمركم - تراقب مثل هذه الأزمات عن كثب، وتتناقل أخبارها أولاً بأول لتفرض مزيداً من مطالبها على البيوت التي توزع عليها خدماتها فمعظم ما في هذه السوق من الجنسية الأندونيسية، ويضم السوق (هاربات ومتخلفات ومبتغددات برجالهن أو معارفهن) ويحصلن على إجازة كل أسبوعين، وإجازة في عيد رمضان وإجازة في عيد الحج وتبادل زيارات وزيارة للأسواق وكل ذلك في حالة الاستمرار في بيت واحد يكون غالباً تم الوصول إليه بعد زيارات كثيرة. ومن خلال معايشتنا في جدة مواقع السوق السوداء للشغالات عرفنا موقع (ماما نور) شرقاً، وموقع (خالة مريم) جنوباً، والحق أن كلا من ماما نور، أو خالة مريم أقرب في تعاملهن لفصيلة الرجال من النساء، ويعود ذلك لحاجة العمل، وتوزيع الشغالات، ونقلهن من بيت، إلى بيت، وتوفير سكن، ومعيشة لهن، وعلى سبيل المثال فإن ماما نور لا تحصل مقابل استضافة الشغالة، وأكلها، وشربها على أكثر من مائتي ريال، وعلى عمولة سمسرة عند حصولها على عمل، وسمسرة أخرى من البيت الذي طلبها، وقد وقفت أمام (ماما نور) وجهاً لوجه على أن أسألها هل هي سعيدة بهذا العمل لكنني قرأت بعض المخاوف لديها فقررت أن احتفظ بسؤالي معي. أمّا (خالة مريم) فإنني لم أراها لكنني تصورت أن صوتها غليظ، وطولها فارع، وعرضها متين لأنها تقوم بنفس مهمة، ودور ماما نور في التشغيل، والسمسرة، والاستضافة لكن لجنسية افريقية يحتجن للشدة لترويضهن، وهن إذا عملن أخلصن في العمل، ولا يطمعن في الهروب من بيت لبيت، كما الجنسية الآسيوية، إلا إذا وجدن وضعاً مالياً أفضل، وعدد ساعات عمل أقل، ومعظم بنات هذه الجنسية يعملن في ساعات النهار فقط..! وهناك العديد من المواقع غير موقع (ماما نور شرقاً، وخالة مريم جنوباً) وربة البيت في طريقها للوصول إلى موقع جديد بعد أن تكررت مقالب ماما نور معها، وبعد أن أخلّت بوعودها عدة مرات، وبعد أن وضعتها في مواقف محرجة حين تأتي لها بشغالة تنفع لمسابقات ملكة الجمال، وحين تأتي لها بالعكس تماماً إلى أن تستسلم ربة البيت للعكس تماماً لحماية أفراد الأسرة من أي (مطامع) لا تحمد عقباها..؟ عمالة منزلية.. بلا تأشيرات ومن حوالي عقدين (مع بدء الاندفاع نحو استقدام العمالة المنزلية من عدد من الدول الآسيوية: اندونيسيا، الفلبين، تايلاند، سيرلانكا) طرح موضوع (التعاقد من الداخل) بواسطة شركات، ومؤسسات، ومكاتب استقدام (مؤهلة، ومؤتمنة، ومصدر ثقة) فنقوم بالاتصال بها، وطلب شغالة أو مربية، أو سائق، أو حارس بعيداً عن وجع الدماغ، ومرارة الانتظار في تأمين التأشيرة، ودفع ثمنها، وانتظار قدوم صاحبها، أو صاحبتها شهراً، أو شهرين، ونخوض بعدها تجربة - غير موفقة - وغير مفيدة - ولا نستفيد من السائق، أو الشغالة، أو الحارس لأسباب مختلفة، ويُصاب رب الأسرة بالندم، والحسرة على ضياع (ثمن التأشيرة، وأتعاب مكتب الاستقدام).. ويبدأ في رحلة جديدة بحثاً عن شغالة، أو سائق (الشغالة ضرورة أكثر منها وجاهة، والسائق وجاهة أكثر منها ضرورة إلا في حالات رب الأسرة المريض أو العاجز، وكذا ربة الأسرة المريضة أو العاجزة، واضطرار الأسرة إلى الاستعانة بشغالة، وسائق). ولو كان التعاقد - داخلياً - فذلك يوفر مالاً، وجهداً، ووقتاً، حيث يمكنك أن تختار، وتنتقي (الزوج، والزوجة)، في وقت واحد دون أن يكلفك ذلك مالاً، وإذا خضت تجربة التعامل، ولم يتم التوفيق بين الطرفين أعدت الشغالة، أو السائق للشركة، أو المؤسسة أو المكتب (مقابل رسم مادي رمزي)، وحصلت على البديل فوراً، فما لا يعجبك قد يعجب غيرك (شرط إذا تكررت عملية الاستبدال تضاعف الرسم الرمزي حتى لا تكون العملية لعبة)... أيضاً يمكن تطبيق نظام الساعات بالنسبة لعمل الشغالات، والسائقين فتستطيع أي أسرة الاستعانة بشغالة تعمل لمدة ساعتين، أو ثلاث ساعات، وكذا الاستعانة بسائق لفترات معينة من النهار لأن من يسكن شقة، ويحتاج لشغالة، أو سائق لفترة، أو فترات من ساعات النهار ليتمكن من تحقيق مطلبه بسهولة، وبأقل التكاليف، ودون البحث عن غرفة لسكن الشغالة، أو السائق (ومثل هذا النظام موجود في الغرب، ومطبق، وعلينا أن ندرسه، ونرى هل يمكن تطبيقه، وهل يناسبنا بالفعل، ويُلبي احتياجاتنا، أم نستمر على نظامنا القديم: نظام الاستيراد، ومعاناته، ومشاكله التي لا تنتهي)..؟ «812» ألف شغالة وآخر احصائية - خليجية - عن عدد (الشغالات) في السعودية أشارت إلى وجود (812) ألف شغالة للعمالة الاندونيسية منها نصيب الأسد، والجمل. وطبعاً فإن هذه الاحصائيات - خلت - من الشغالات اللاتي يتم الاستعانة بهن من السوق السوداء (من المتخلفات، والهاربات، والمخالفات مع رجالهن، ومعارفهن، إضافة إلى التعاقدات الافريقية الداخلية ذات الهوية، والتي ليس لها هوية).. أي أن الرقم يصل إلى مليون (عاملة منزلية) وقد يزيد، وقد ينقص قليلاً، وهو عدد غير موزع بالتساوي على البيوت، فهناك أسرة لا يزيد عدد أفرادها على خمسة (الزوج، والزوجة، وثلاثة أبناء) ولديهم (7 عاملات: شغالتان لشؤون المطبخ والصحون والشوك والأكواب، شغالتان لشوون التنظيف وشغالتان لشؤون الإدارة المنزلية من الداخل، وشغالة لإعداد وتحضير وتجهيز ملابس الزوجة (ما كان منها داخل البيت، وما كان منها للزيارات والمناسبات، والجولات).. والأسرة المحتاجة لشغالة واحدة ليس من حقها أن تحسد أسرة لديها سبع شغالات - في وقت واحد - فإدارة هذا العدد من الشغالات مسؤولية كبيرة لن تستطيع عليها الأسرة المحتاجة لشغالة واحدة، فهي تعاني في سبيل الحصول عليها الأمرين، وتعاني في سبيل كسب رضاها، وفي سبيل بقائها في البيت، وفي سبيل قيامها بالمهام المنزلية، وقبل ذلك في سبيل توفير ثمن تأشيرتها، وتوفير راتبها، وإيجاد مكان لنومها، إلى آخر المتاعب..! وبعيداً عن أخبار هذه الأزمات - المتكررة - فإننا نريد من بيوتنا أن تحسن أحوالها الصحية (نفسياً، ولياقياً) لتتمكن من تأمين خدماتها المنزلية (دون الاعتماد على السواعد الخارجية) إلا في أضيق الحدود مثل أن يكون البيت فارغاً من (الأبناء) أو تكون هناك ظروف صحية واجبة الاستعانة بالجهود الخارجية المتمثلة في وجود (عاملات منزلية) يطبخن، وينفخن، ويعجن، ويغسلن، ويتدللن، أو يتمردن..؟