"متلازمة طالب الطب" مصطلح يطلقه اليوم علماء النفس على الوسواس المرضي الذي يظهر حين يبدأ أحدهم بدراسة الطب أو البحث في مرض معين.. فحين يبدأ الطالب في الدراسة أو التخصص قد يتوهم إصابته بأحد الأمراض التي يدرسها، ويقنع نفسه بظهور الأعراض عليه.. ورغم إمكانية إصابة أي انسان بهذا الوسواس إلا أنه أكثر شيوعا بين طلبة الطب - بحكم التخصص - وأكثر انتشارا في الهند بين طلبة السنة الأولى من أي دولة في العالم!! وهذه الظاهرة العجيبة تذكرني بتقرير قرأته قبل سنوات (ملخصه) أن من يستعملون الانترنت للبحث عن أمراض معينة يصابون بها في النهاية.. وتقول رئيسة البحث الدكتورة اليزابيث (من جامعة لندن) إن كثيرا من الناس يبحثون في الانترنت عن أمراض يتخوفون منها (وغالبا بعد وفاة أحد الأقرباء بها). وفي النهاية يتوصلون إلى استنتاجات خاطئة تجعلهم يعتقدون أنهم مصابون بالمرض فيمرضون بالفعل.. ليس هذا فحسب بل كثيرا ما يعتقدون أنهم يعرفون أفضل من أطبائهم (من فرط البحث والمتابعة) فيهملون العلاج أو لايأخذون كلام الطبيب على محمل الجد !! وغالبا ما تكون الضحية من فئة (المتمارضين) الذين يتشكون بكثرة وبشكل دائم، ويضخمون كل ألم وعلة.. وشخص كهذا نصادفه في كل مكان وقد تعود دوافعه إلى أيام الطفولة حين ارتبط لديه "التمارض" بحنان الوالدين واهتمام الناس . وحين يكبر يظل بحاجة الى ذلك التعاطف فيعود بين الحين والآخر للعب هذا الدور حتى بين أبنائه وأقربائه الأصغر سناً! والتقريران السابقان يؤكدان أبحاثاً سابقة بخصوص خطورة (التمارض) واحتمال انتهائه بمرض حقيقي أو وفاة غامضة .. فقبل فترة بسيطة مثلا نشرت مجلة جاما (وهي المجلة الرسمية للجمعية الطبية الامريكية) نصائح للاطباء حول التعامل مع "المتمارضين" والنتائج المتوقعة من توهمهم للمرض. فكثيرا ما يحتار الاطباء انفسهم في موت أو انتكاس مريض (يفترض) به التحسن ؛ فهناك مثلا من يموت خلال عملية جراحية بسيطة ثم يتضح انه كان على قناعة مسبقة بوفاته خلالها . كما اتضح - حسب المصدر السابق - أن النساء اللاتي يؤمنّ بأنهن سيمتن بسبب مرض القلب يمتن بنسبة أربعة أضعاف من يعتقدن أنهن سيتغلبن على المرض . ورغم التسليم بأن زيادة الوزن وضغط الدم وارتفاع الكوليسترول تقصر من العمر لوحظ ان "المتفائلين" - من أصحاب الوزن الثقيل - يعمرون اكثر من "المتشائمين" بست مرات !! ويطلق الباحثون على المريض بالوهم اسم نوسيبو (وهي تركيبة لاتينية تعني: سوف أمرض) .. وهي مصطلح معاكس ل"بلاسيبو" الأقدم استعمالا (ويعني: سوف أشفى).. والبلاسيبو خدعة حميدة قد يلجأ اليها الطبيب حين لايجد سببا واضحا للأعراض المرضية الدائمة (كالصداع أو ألم الصدر) فيصف للمريض دواء "خاصا جدا" و "فعالا جدا" و "غير موجود حتى في الأسواق الأوربية" ... وحين يتناول المريض هذا الدواء المعجزة يشعر فعلا بتحسن مفاجئ - رغم أنه ليس أكثر من حقنة ماء مالح أو حبوب طحين ملونه!! أما المريض بالوهم (النوسيبو) فسليم معافى لا يشتكي من أي شيء أصلًا ولكنه - لسبب ما - يؤمن بأنه مريض وبأنه على وشك الموت . وحين يقتنع بهذا ينحدر جسمه لمستوى المرض الفعلي ويتصرف دماغه كما لو كان مريضا بالفعل، ويضعف لديه جهاز المناعة فيصبح عرضة لأضعف الجراثيم المسببة للأمراض!! ... ومايبدو لي أن الرسول الكريم حذرنا من (النوسيبو) حين قال: "لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا " .. في حين حثنا في حديث آخر على تبني (البلاسيبو) حين قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه"...