من منتصف القرن الماضي وحتى هذه اللحظة لا زال بعض المعنيين بعلم الاتصال يناقشون المتغير الأساس المؤثر في شكل وثقافة الخطاب. بعضهم انحاز إلى مُتغير "الوسيلة" بوصفها منتجاً حضارياً تتشكل معه المدلولات الثقافية للاستخدام كدرجة التفاعل والمساواة والإحساس بالفردية ودرجة المشاركة الاجتماعية والسياسية. في المقابل لا زال البعض الآخر يُغلّب الجانب البشري في شقه الأعلى بوصفه مخططاً للأنظمة الاتصالية ومحدداً لسياساتها، وفي شقه الأدنى صانعاً للخطاب ومستهلكاً له. وبعودة إلى الوراء وتحديداً في عهد ازدهار ثقافة الكاسيت في منتصف الثمانينات، استطاع الخطاب الاتصالي "للكاسيت" أن يُميز ذاته في عدة اتجاهات. من ضمنها قدرته على تجاوز الحدود الرقابية من خلال التسجيل وإعادة الإنتاج غير الرسمي. كما أنه وبشهادة المنتمين له في تلك الحقبة كان صوته يتسم بأشكال ومستويات محددة. فمن ناحية الانتماء، لم يكن الخطاب يُفرّق في الأولويات بين ما هو وطني وبين ما هو عروبي أو إسلامي. على العكس، كان يشعرنا بأن كشمير قضيتنا الأولى وأنها جزء من حدود الوطن الجغرافي. كما أنه اتصف بالممانعة والرفض للمستجدات العصرية من خلال لغة التخوين وخطاب الكراهية للمنادين بالتحديث. وبحكم الوسيلة، والفاعلين في الخطاب، لم يكن المتلقي يشعر بالمساواة في العملية الاتصالية فالصوت يأتي من الأعلى بالأمر والنهي دون أدنى محاولة للمشاركة حتى في التفكير. والأهم من كل ذلك صوته المهيج للمشاعر والذي حجب به واقعاً حقيقياً معاشاً واستبدله بواقع ذهني مزيف من خلال المبالغة والتضخيم. في تويتر -رغم عدالة الوسيلة من خلال دعمها للحرية والمساواة واحترام الثقافات والحوار والتفاعلية - إلا أن ثقافة الكاسيت قد تسربت إلى ضاحية من مساحتها الشاسعة. في تلك الضاحية لا تشعر كمشارك بحدود جغرافية واضحة لانتماء بعض المغردين السعوديين، فسوريا هي السعودية والأخيرة ليست إلا جزيرة عربية. في الضاحية ذاتها لا زال خطاب الكراهية والتخوين ينخر في قيمة الحوار ولا تعتقدوا واهمين أن أحداً لم يكتب عبارة "زوار السفارات". في الضاحية عينها يعبرون بخطاب تهييجي عما يطلقون عليه "قضية المعتقلين" في تزييف للواقع الحقيقي الذي نعيش فيه، متناسين كل الأحداث الإرهابية التي لم تجف من سطوتها دماء الشهداء بعد. في الضاحية نفسها لا تتوهموا بأن الخطاب الاستعلائي قد انقرض فلا زال لبعض المغردين مريدون متبرعون بإدارة الصفحة وقد كتبوا "لقد سمح لنا الشيخ بجزء من وقته الثمين لنقطف لكم هذا المقطع المسجل". إذن ومن خلال المقاربة السابقة لاختبار تأثير متغير الوسيلة على الخطاب، يتضح أن الوسيلة رغم اختلاف قيمها الاتصالية إلا أن تأثيرها لا يزال محدوداً بالمقارنة مع العنصر البشري في جميع مستوياته. * مُحاضر بقسم الإعلام جامعة الإمام محمد