إن جميع الشرائع السماوية وكذلك القوانين الوضعية أوصت وحثت على العمل الخيري، على أن شريعة الإسلام قننته وجعلته يأخذ حيزاً واسعاً من قيم الإسلام ومرتكزاته ففرضت الزكاة وسنت الصدقات والنذر والأوقاف ودعت إلى بذل الجهد في عمل الخير من خلال البر والاحسان العمل الخيري لمسة إنسانية يقدمها ذوو النفوس الرحيمة وهي عبارة عن نفع مادي أو عيني أو معنوي أو جهد شخصي يقدمه الإنسان لغيره بدون مقابل. ولاشك أن مقدار أجره وثوابه يعتمد على نية مقدم هذا العمل. فقد يكون الحافز دنيويا وقد يكون أخرويا وقد يكون الاثنين معاً. إن جميع الشرائع السماوية وكذلك القوانين الوضعية أوصت وحثت على العمل الخيري، على أن شريعة الإسلام قننته وجعلته يأخذ حيزاً واسعاً من قيم الإسلام ومرتكزاته ففرضت الزكاة وسنت الصدقات والنذر والأوقاف ودعت إلى بذل الجهد في عمل الخير من خلال البر والاحسان والتراحم والتكافل والصلة والاهداء، وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب في سبيل الله وفي الصلح وتأليف القلوب ويدخل في ذلك الاعفاف وغيرها من مخارج ذلك العمل المحبب إلى النفوس. إن إشاعة ثقافة العمل الخيري سواء أكان ماديا أم عينيا أم معنويا أم تطوعيا أم تنمويا فرديا أم مؤسسيا وترسيخه كقيمة اجتماعية أمر مرغوب لأن ذلك يؤدي إلى مزيد من الترابط الاجتماعي ويحقق المقاصد الشرعية من الحث عليه. نعم ان العمل الخيري بجميع ظواهره هو انعكاس للمستوى الثقافي والحضاري في أي مجتمع من المجتمعات. فكلما زاد التحضر وتعمقت الثقافة كان للعمل الخيري دور واسع ورائد في فعاليات ذلك المجتمع وتماسكه، وكلما ضعف الجانب الحضاري والثقافي كان دور العمل الخيري محدوداً وضعيفاً.. على أن سن النظم وإقامة المؤسسات القادرة وديناميكية وسعة ثقافة العاملين عليهما وفيهما هو من يحدد مستوى نجاح العمل بصورته الشاملة والواسعة. وبما أن العمل الخيري أصبح اليوم يواجه مشاكل عديدة من خارج الحدود ويتهم فإن المصداقية والشفافية والاحترافية والوضوح تصبح ذات أهمية بالغة لذلك فإن العمل الخيري المؤسسي لابد له من ان يستعين بالخبراء الشرعيين والقانونيين لتخريج وبناء نظمه ومتابعة فعالياته خصوصاً ذلك الذي يمتد لما وراء الحدود. أما عند الحديث عن العمل الخيري المحلي فإن هناك عددا كبيرا من المعوقات التي تحد من فعاليته واتساع نشاطه لعل من أهمها وأبرزها: * محدودية مجالات العمل الخيري فهي عند الأفراد ورجال الأعمال تكاد تنحصر في بناء المساجد أو إطعام الطعام أو التبرع ببرادات المياه مع العلم ان هناك مصارف خيرية أخرى توجد حاجة ماسة للاهتمام بها بالاضافة إلى ما سبق. * غياب التوعية في مجالات العمل الخيري وأولوياته. فالعمل الخيري له مجالات واسعة متعددة الجوانب ولذلك فإن توسيع دائرة العمل الخيري والأخذ بالأولويات أصبح مطلبا ملحا، على أن يتم تثقيف العامة وبذلك سوف يكون له مردود واضح. ومثل هذه الجهود التوعوية يحتاج إلى تكاتف المؤسسات الشرعية والتعليمية والإعلامية ناهيك عن دور وزارة الشؤون الاجتماعية التي يحسن أن يكون له دور أعمق وأوسع لتحقيق ذلك التوجه. * لا زال العمل الخيري في كثير من جوانبه موسميا وليس مستداما إلا على نطاق محدود. * أن العمل الخيري في مجمله يعتمد على التبرعات وهذه ايضاً لها مواسم كما انها معرضة للزيادة والنقصان.. لذلك فإن التوجه إلى الاستثمار، وتبني الأوقاف سوف يكون لهما دور بارز في تقوية وصلابة واستمرارية ذلك النشاط الإنساني الجميل. * أن ثقافة العمل الخيري التطوعي لازالت محدودة جداً مع انها من أهم ركائز العمل الخيري وأقوى دعائمه.. والعمل الخيري التطوعي الذي نتحدث عنه يشمل عددا كبيرا من المتخصصين مثل الأطباء والمهندسين والمدرسين والعيادات والمستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة وكذلك أصحاب المهن والتخصصات الأخرى التي قد تحتاجها الجمعيات الخيرية أو الأسر أو الأفراد المحتاجين إلى مثل تلك الخدمات. * غياب فكرة التنمية المستدامة عن كثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية فكثير من تلك الجمعيات لازال يشكل واسطة بين المنفق والمستحق. بينما الحاجة ماسة إلى تعليم الفقير والمحتاج والأخذ بأيديهما لكي يصبحا منتجين وبالتالي يستغنيان ويستعففان، ويتركان المجال والفرصة لغيرهما لكي يستفيد. وهذا يدعم استمرارية الجمعية في أداء دورها. * محدودية دخل كثير من الجمعيات الخيرية وهذا يحتاج إلى تفعيل. * غياب التخصص في العمل الخيري فأغلب الجمعيات الخيرية جمعيات عامة شاملة تقوم بفعاليات متعددة وهذا فيه بعثرة للجهد ومحدودية للفائدة. ولذلك فإن العمل على تقنين تخصصات للجمعيات الخيرية يصبح أصوب وأجدى، وذلك مثل أن يكون هناك جمعيات خيرية صحية مهمتها معالجة المرضى المحتاجين على أن يكون لكل مرض مزمن جمعية خيرية تعنى به وذلك مثل جمعية الأمير فهد بن سلمان (كلانا) التي تعنى بالغسيل الكلوي الدموي. فوجود جمعية خيرية متخصصة في علاج كل مرض من الأمراض المستعصية وذلك مثل جمعية مرض السرطان وجمعية مرض السكر المحدودة الامكانات وغيرهما له أهمية تنظيمية وإنفاقية وتخصصية ومادية ومعنوية يفرضها الواقع والمسؤولية كذلك أن يكون هناك وجود لجمعيات متخصصة في التوظيف وأخرى متخصصة في التعليم أو المجالات الخدمية أو الإغاثية أو رعاية العجزة أو الأيتام.. وعلى الرغم من وجود بعض الجمعيات المتخصصة حالياً إلا أن توسيع دائرة الاهتمام في الجمعيات الخيرية المتخصصة سوف يكون له انعكاس مهم على تنظيم العمل الخيري وانعكاساته، على أن تنظيم موارد مستدامة للجمعيات الخيرية من أهم الأمور التي تضمن استمرارها وقدرة كل منها على القيام بالمهام التي أوجدت من أجلها.. ولاشك أن من أهم الوسائل التي تدعم استمرار قيام الجمعيات بمهامها وجود أوقاف مخصصة لكل جمعية خيرية تضمن الحد الأدنى من تمويلها. ولعل من أهمل العوامل التي تسند العمل الخيري وتؤازره ما يلي: * أن العمل الخيري بجميع فعالياته وتخصصاته يحتاج إلى القيام بأبحاث ودراسات ميدانية تقوم بها جهات متخصصة ولعل تبني إنشاء كراسي متخصصة في العمل الخيري في عدد من الجامعات يفيد في إجراء أبحاث ودراسات واقتراحات تتضمن تغطية أولويات العمل الخيري ومصارفه وأسلوب عمله وزرع ثقافته وأهمية تخصصه واتساع رقعته وبيان أهمية دور الأوقاف في استمراريته ناهيك عن اجراء مسح وحصر للفئات المستحقة. * أهمية أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتوقيع اتفاقيات تعاون مع بعض المستشفيات العامة والخاصة وكذلك مع المؤسسات العامة والخاصة التي لعملها دور أو اهتمام بالشؤون الاجتماعية وذلك لتوسيع دائرة العمل الخيري من قبل تلك المستشفيات أو المؤسسات وكذلك حث الجمعيات الخيرية على هذا العمل بهذا الأسلوب. * نشر ثقافة العمل الخيري التطوعي ذلك ان العمل الخيري التطوعي يعتبر أحد روافد التنمية بمفهومها الواسع، كما انه ظاهرة تدل على حيوية المجتمع وتفاني أفراده من خلال الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعهم ووطنهم وانتمائهم. أما العمل الخيري التطوعي المؤسسي فهو أشمل من الفردي وأكثر تنظيماً ناهيك عن أن أثره في المجتمع أوسع نطاقاً وأعم فائدة ليس هذا فحسب بل إنه يتكامل مع العمل الحكومي ويسانده.. على أن العمل الخيري التطوعي سواء أكان فرديا أم مؤسسيا.. يحتاج إلى التشجيع والمؤازرة وذلك من خلال الاعتراف بالجهد وإشهاره وذلك لكي يقتدي به الآخرون ويحذون حذوه. * تشجيع الموسرين ورجال الأعمال والشركات والمؤسسات المختلفة على تبني فكرة الأوقاف كوسيلة لدعم الجمعيات الخيرية والعمل الخيري ذلك ان الأوقاف تعتبر صدقات تطوعية جارية دائمة النفع بالاضافة إلى ان مجالاتها واسعة ونفعها عام. إن الأوقاف مصدر مه م من مصادر حيوية المجتمع وفعاليته وهي تجسيد حي لقيم التكافل الاجتماعي. لقد كان الوقف من أهم أعمدة النهضة الإسلامية أيام مجدها العظيم. وهو اليوم من أهم أعمدة الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والدينية في بلاد الغرب. إن العمل الخيري يمكن ان يكون محليا أو اقليميا أو دوليا فالعمل الخيري المحلي أشرنا إليه فيما سبق أما العمل الخيري الاقليمي فهو يشمل إغاثة المنكوبين في العالم العربي والإسلامي.. ولعل حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الباكستاني الشقيق اثر الفيضانات العارمة العام الماضي وتبرع المملكة ب(60) مليون دولار لانقاذ الشعب الصومالي من المجاعة خير مثال على ذلك. إن الأمة الإسلامية جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، كما أن موقع المملكة ومكانتها ومسؤوليتها تجاه قيادة العالم الإسلامي تحتم عليها المؤازرة والدعم من قبل حكومة وشعب المملكة العربية السعودية. أما على المستوى الدولي فإن دور حكومة وشعب المملكة العربية السعودية في العمل الخيري العالمي يجب أن يكون أوسع نطاقاً وأكثر عمقاً وأحسن تنظيماً وذلك في سبيل بيان وجه الإسلام والعروبة المشرق أمام الأمم الأخرى ودحض الدعايات المغرضة ضده فالمشاهدة واللمس يدحضان السماع واللجج. والله المستعان.