تتعاقب الصور أمام عينيّ .. تفوح بعبير لا يخطئه أنفي .. هو إحساس آنسه لأيام رمضان الطفولة ، بهجير صيفها المحرّض على السهر .. وزمهرير شتائها التوّاق لدفء كوب (السحلب) ، وحبّات الكستناء .! هنا حنّينا أقدامنا الصغيرة بطين الأرض .. وهنا رسمنا على جدار (الحجر المنقبي) أحلاماً صغيرة .. ظلّت أحلامنا تكبر .. وتتكوّر .. وتتدوّر .. تورق ، وتزهر ، وتثمر .. وتخضرّ ، وتحمرّ ، وتميس وتخطر .! **** هنا تسامرنا تحت (إتريك) البلدية في الصيف .. وكسرنا زجاجته في الشتاء بالنبابيل .! هنا قطفنا (اللوز الهندي) من شجر بستان بيت الكتبي في البغدادية .. وهناك (اقتبسنا) البيض البرّي من تحت دجاجات (أم عليثة) .! هنا لعبنا الضاع والأستغماية .. وهناك فررنا من أمام مجنون الحارة ، و(خيال) الدّجيرة ، والسعليّة ، وأم العباية .! هنا طبعنا وجه بنت الجيران على قمر الليالي .. وهناك نثرنا على ثوبها الأبيض في الحلم النجوم .! أكلنا وشربنا .. تضاربنا وتحاببنا .. وتخاصمنا وتصالحنا .! هنا أبكتنا الليالي حد الضحك ، وضحكنا منها حد البكاء .! كبرنا ، ونسينا أشياء كثيرة ، لكن بقايا أشيائنا الصغيرة ، استعصت على أسنان السنين وتمرّدت على سطوة الايّام .! **** من بوح غازي القصيبي : فقولي إنّه القمرُ .. أو البحرُ الذي ما انفكّ بالأمواجِ والرغباتِ يستعرُ .! أيا لؤلؤتي السمراء ، يا أجمل ما أفضى له سفرُ .. خطرْتِ فماجت الأنداء ، والأهواء .. والأشذاء .. والصور .!