عقب أشهر حافلة في الرياض وبزيارات عمل الى جدة ومناطق اخرى في المملكة ، وقبيل ان استهل رحلة الإجازة الصيفية ، أود ان انتهز فرصة قدوم الشهر الفضيل لأهنىء قيادة وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية بحلول شهر رمضان المبارك. وقد تصادف ان كنت عشية دخول الشهر الكريم في جدة ورأيت الابتهاج الذي رافق انتظار بزوغ القمر إيذانا ببداية شهر الصوم. يشرفني ان اكون في المملكة العربية السعودية ، موطن الحرمين الشريفين ، في هذا الموسم العظيم وان أنتهز الفرصة للتعرف بشكل أعمق على طبيعة هذا المجتمع المتميز وأعايش تجربة فريدة يتجلى فيها التغيير في مشهد الحياة الاجتماعية والعملية في المملكة العربية السعودية خلال الشهر الكريم . استلمت مهام عملي في المملكة في شهر رمضان من العام المنصرم ، وكانت اول تجربة لي على مائدة الإفطار مع موظفي السفارة الذين كان اكثرهم من المسلمين . كانت فرصة طيبة للتعرف عليهم وفرصة لموظفي السفارة من غير المسلمين للمشاركة في الإفطار ومناسبة جيدة للالتقاء ببعض الأصدقاء السعوديين للمرة الاولى في هذا الموسم الروحاني الخاص. يبدو ان شهر رمضان بالنسبة لي تجربة شخصية مشابهة لتجربة الصوم في الديانة المسيحية . ويسرني ان اشير الى الرسالة التي وجهها مؤخرا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الى العالم الاسلامي والتي أكد فيها بان شهر رمضان هو شهر العبادة والتأمل . ليس من شأني في الواقع ان أعلق على مثل هذه المسائل الروحانية بصفتي دبلوماسيا . بيد ان الدبلوماسيين هم من البشر ايضا ومهما بلغت خبرتهم وحنكتهم المكتسبة بسبب عملهم في عالم دولي لا يخلو من العيوب ، فانه يجب عليهم ألا يغفلوا عن القيم التي يزخر بها شهر رمضان. وكما قال وزير الخارجية البريطاني في رسالته الرمضانية فان هذه القيم تذكرنا بالمبادىء المشتركة التي تجمعنا مثل التسامح والعدل والكرامة والتقدم للبشرية جمعاء . إن رسائل المحبة والايثار والرحمة التي يحفل بها هذا الشهر هي القيم التي توحد المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. يبرز شهر رمضان اهمية القيم الاجتماعيّة حيث تلتقي العائلات والأصدقاء معًا للمشاركة في اجواء روحانية لا تقتصر على الصّوم من الفجر وحتى الغسق فحسب ، بل وفي اداء الصّلاة والتّأمّل والحفاوة والكرم خلال السّاعات التي تلي الغروب . أعتقد ان هذا يذكرنا ايضا بان الاسلام دين يراعي شئون الفرد والجماعة شأنه في ذلك شأن سائر الاديان السماوية في البحث عن افضل السبل للتّعايش وتنظيم المجتمع بما يجسد ما نؤمن به من قيم ومثاليات . ومن بين الأشياء الكثيرة الّتي نالت اعجابي خلال اقامتي في المملكة العربيّة السّعوديّة هي عودة المواطنين السعوديّين إلى ارض الوطن قبيل بداية رمضان رغبة منهم في قضاء الشّهر المبارك في ربوع المملكة وبين ظهراني العائلة لما لهذا الشهر من مغزى على الصعيد الاجتماعي . لقد جعلني هذا التصرف اشعر بمدى أهمية شهر رمضان في حياة المجتمع السّعوديّ . أعلم أن كثيرا من المسلمين البريطانيّين ممن يقيمون ويعملون في المملكة العربيّة السّعوديّة يفضّلون تمضية شهر رمضان في السعودية ويؤثرون الاستمتاع بصيامه في مجتمع يغلب عليه الطابع الاسلامي . أما المسلمون في المملكة المتّحدة فيستقبلون شهر رمضان بالبشر والخير كذلك حيث تكتظ المساجد بالمصلين سواء في لندن او في المناطق الاخرى ويتحلقون في مجالس العلم ويقدمون وجبات الافطار للمحتاجين. لقد تعرفت على المجتمع الاسلامي البريطانيّ حين عملت مديرا لادارة شئون أفغانستان وجنوب آسيا في وزارة الخارجيّة والتقيت بالعديد من الزملاء البريطانيّين ممن ترجع اصولهم الى ذلك الجزء من العالم ورأيت بعيني ما يقدمون من مساهمات قيمة لرفعة بريطانيا الحديثة . صحيح ان الاجنبي المقيم في المملكة العربيّة السّعوديّة قد يتساءل عن بعض الامور التي تحدث في هذا الشهر : كأن يصبح اللّيل نهارا ويتبدل وقع الحياة وزخرفها الثري في المملكة . الامر بالنسبة لي مبهج للغاية – إذ اعتبر نفسي محظوظا للتعرف عن كثب على مجتمع يختلف عن بلدي - رغم القيم المشتركة فيما بيننا . لن اخفي اعجابي بالالتزام الّذي يتعامل به المجتمع السّعوديّ برمته مع الشهر الفضيل والمدًى الّذي يبلغونه في اعادة التأكيد والتذكير بما يجب ان تكون عليه اولويات الحياة ، مع الحفاظ في نفس الوقت على احترام الفرد وتأكيد اهمية العائلة وضرورة مساعدة الآخرين الأقلّ حظّا . انها الاولويّات الّتي يجب ألا تغيب عن بال الدبلوماسيين ايضا مهما شغلنا المشهد الدولي بلقاءاته ومفاوضاته ونزاعاته ومعضلاته. أرجو ان تقبلوا اطيب تمنياتي لكم في هذا الشهر الفضيل ، وان تتقبلوا شكري لحفاوة الترحيب التي احطتموني بها انا وزملائي في السعودية ليس في هذا الشهر فحسب بل على مدار العام . كما أعبر عن املي بان تكون الايام المقبلة فترة للتأمل والاحتفال والتجديد في هذا العالم المنهك الذي يعاني فيه الكثيرون من الحاجة للغذاء والمأوى فضلا عن الامن والسلام والتزامنا بمساعدتهم لتحقيق هذه الأهداف. رمضان كريم * السفير البريطاني لدى المملكة