لا أعرف من ترجَم لنا مصطلح (جلد الذات).. صار درعاً يحتجب وراءه كل من يريد أن يحبس النقد ويمنعه. ألحقوه بتعبير محلي يصف الواقعيين( بالمخذلين). إذا قال كاتب لا نستطيع أن نقاطع أمريكا أو أن نحاربها هبوا في وجهه بكلمة المخذلين. يبقى مصطلح جلد الذات أسوأ المصطلحات التي نستخدمها دون تبصر. جاءنا بصحبة مجموعة من المصطلحات الأخرى التي توسَّع الكتاب و(الدعاة!) في استخدامها حتى فقدت قيمتها ودلالاتها. في بعض الحالات انقلبت على أعقابها. صارت تدل على عكس ما سُكت من أجله. يستخدم اليمين السعودي على سبيل المثال مصطلح ( اختطاف الصحافة). لا يعرفون كيف يكتبون، ولا يملكون القدرة على احترام الطرف المخالف، ثم يحتجون أن الصحف لا تسمح لهم بالكتابة فيها. كلمة جلد الذات لا تخفي في داخلها تورية أو دلاله أخرى: تعني أن يمارس الإنسان إذلال ذاته بذاته. عندما يمارس الإنسان النقد لايمكن له أن يصل إلى جلد الذات مهما كانت درجات المكاشفة والشفافية. في ثقافتنا العربية الحديثة ربط مفهوم التمتع بالألم بالأغاوات. فئة من البشر (ذكور تحديدا) سُرقت في طفولتها من أهلها واستبيحت بأن نزعت رجولتها بالخصاء لتصبح رمزا لإذلال الذات. هذه على أي حال واحدة من قبائح الخلافة العثمانية التي لا تعد ولا تحصى. عندما نقول جلد الذات فنحن نعني البشر الذين قذفوا من كرامتهم الإنسانية. اشتهر هذا المصطلح في الديانة المسيحية((self-flagellation وانتقل إلى الإسلام . يظن المؤرخون أنها ممارسة موجودة حتى الآن في ثقافات بعض دول حوض البحر الأبيض المتوسط. عُرف عن البابا بولس السادس أنه يغلق على نفسه في غرفة منعزلة، ويجلد ذاته.. ما نشاهده عند بعض الطوائف الإسلامية من جلد الذات بالسياط أو السلاسل حتى بلوغ الدم هو أقصى انحدار (في الكرامة) يصل إليه الإنسان بفضل الانقياد والانصياع لرجال الدين. الممارسة الفيزيائية بجلد الجسد علناً هي تعبير عن الانسحاق والشعور بالإذلال ونكران الذات. جسد الإنسان وروحه المعنوية متكاملان في ما يخص الكرامة. لايمكن فصلهما، ولن يوجد على الأرض ما يبرر للإنسان إذلال أي منهما إلا عند مرضى يُعرفون بالمازوخيين . مجرد أن يوقع الإنسان عقاباً على جسده أو في كرامته من أجل التكفير عن خطايا قديمة (صحيحة كانت أو متخيلة أو مختلقة) يعني الاستلاب.أن يتبرع الإنسان باستباحة جسده من أجل سعيد أو يوحنا أو حسين فهذا الإنسان بلغ من السحق قاع الجحيم. هذه الممارسة ليست إسلامية في أصلها. اعتمدها المسيحيون الأوائل في العصور الوسطى تحديداً واستمرت حتى الآن تمارَس عند بعض الطوائف المسيحية الكاثوليكية كالفلبين. جلد الذات يقوم على فكرة التطهير والاعتذار عن صلب المسيح آخذة مفهوم أن الجسد شر ويجب إخضاعه للتأديب..(مفهوم أن الجسد كله شر تحول في ثقافة المسلمين الشعبية إلى جسد المرأة واستقر فيه حتى صارت الأنثى تطارَد متهَمة بالإغواء الشيطاني للرجل حتى بظفرها.) من العار أن يستخدم الإنسان هذا المصطلح، ومن العار أن يصف الإنسان أخاه الإنسان به. الإسلام بتركيبته الثقافية وطبيعته المتأصلة لا يقبل إذلال الذات..