يهلّ علينا في مثل هذا الوقت من كل عام شهر رمضان المبارك ، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. طوال أيام السنة ، قبل دخول الشهر الكريم ، تكون تصرفاتنا وعباراتنا وسلوكياتنا متشابهة ، وبعد الإعلان عن دخوله تتغير الكثير من هذه التصرفات والسلوكيات ونبدأ في استخدام عبارات تنطق بروح الإسلام وسماحته وسمو الأخلاق فيه. في رمضان نزداد قرباً من الله عز وجل في أعمالنا وصلواتنا ؛ نحرص على أداء الصلوات جماعة في المساجد ، بما فيها التراويح والقيام ، ونتصدق بشكل أكبر مما اعتدنا عليه. حين يخطئ علينا أحد أو يتلفظ بعبارات غير لائقة لا نقول له إلا (اللهم إني صائم).. الجمعيات الخيرية تكثف حملاتها لكسب أكبر قسط من التبرعات حتى من غير المزكين. لا نشك ، ولا نجادل أن شهر رمضان المبارك هو أفضل الشهور عند الله ، وأن ليلة فيه خير من ألف شهر ، وأن فيه من الحث على فعل الخيرات الشيء الكثير ، ولكن ماذا عن بقية شهور السنة ؟ هل المحتاج أو الفقير لا يعاني من الحاجة والعوز إلا في رمضان ، أم أن الصلاة جماعة في المساجد مأمور بها في رمضان فقط؟ ثم هل مراقبة ما نتفوه به والحرص على ضبط ما نقول مرهون برمضان بعدها نطلق العنان لألسنتنا لتحقر هذا، وتشتم ذاك؟! صحيح أن شهر رمضان يمتاز عن غيره من الشهور ولكن لماذا لا نروّض أنفسنا على أن تكون كل شهور السنة (رمضان) ليس بالصيام عن الأكل والشرب وإنما بتهذيب السلوك والنظر إلى المحتاجين والحرص على أداء الواجبات الدينية والصلوات في أوقاتها. أصدقكم القول إن ثلاثين يوما كافية للتعود ثم الانطلاقة لتغيير منهاج حياتنا نحو الأفضل. يقول علماء النفس إن التغيير في السلوك أو العادات يحتاج من الإنسان أن يكرر ما يرغب في عمله من 6 إلى 21 مرة حتى يحدث التغيير الحقيقي. شهر رمضان من 29 إلى 30 يوما وهذا يعني أن الفرصة متاحة أمامنا لتبني العديد من السلوكيات والاعتياد عليها، ومتابعة تطبيقها طوال أيام السنة. يقول الدكتور صلاح الراشد في أحد مقالاته إننا في شهر رمضان نتعود على اتخاذ قرارات قوية من الالتزام بأوقات الإمساك والفطر ، وفي رمضان أيضا نتعود أن نخرج عن المألوف من حيث أوقات النوم أو الاستيقاظ ، والذهاب إلى العمل والعودة منه ... والإبداع غالبا ما يقترن بالخروج عن المألوف. بمعرفتنا لهذه الأمور كلها نرسم خارطة طريق واضحة المعالم لما سنكون عليه خلال الشهر الكريم ، وكثير من هذه الأمور بإمكاننا أن نستمر في تطبيقها والاستفادة منها خلال الشهور كلها ، المهم هنا هو التطبيق بإصرار وعزيمة والقابلية لتغيير أنفسنا من الداخل أولا..