عندما يتعامل المستهلك مع سلعة لها بدائل فانه يتنازل أحياناً عن الجودة والاسم مقابل الحصول على سعر أفضل يتفق مع امكاناته وعندما تتعامل مع سلعة محتكرة فان الوضع يختلف. اكثر ما يؤلم أن ترى مواطنا عاجزا عن مجاراة ارتفاع الاسعار وتضخمها بشكل متسارع حتى تصل الى سقف يتجاوز قدرته وهذا حاصل في معظم احتياجاته من مسكن وملبس وغذاء وصحة وتعليم! ما شهده السوق العقاري من تضخمات يدعو الى الحيرة رغم القرارات الحكومية الايجابية لدعم قطاع الاسكان من خلال اعتماد بناء 500 الف وحدة سكنية ورفع قيمة قرض صندوق التنمية العقارية ورفع رأسماله بالاضافة الى المشاريع السابقة التي اعتمدت لهيئة الاسكان قبل تحويلها الى وزارة، اقول رغم هذه الاخبار الايجابية الا ان هناك استغلالا لهذه القرارات دون اعتبار للمصلحة العامة، هناك تجار الاراضي ومحتكريها وهناك تجار مواد البناء والمقاولون وتجار الاسمنت والحديد سواء مصنعين او موردين او موزعين، تجد غالبيتهم يتربص ويستغل الاوضاع ثم يختلقون الازمات بهدف تعظيم ارباحهم. الضلع الأخير في مسلسل الاستغلال هم اصحاب العقارات الذين ينتظرون بداية السنة التأجيرية بفارغ الصبر لمفاجأة المستأجر وزف البشرى له بزيادة الايجار، ما يحير ان زيادة الاسعار تعتمد على الارتجالية وبعضها لوحدات سكنية متهالكة وقديمة يضاف لها سنويا ما لا يقل عن 10 بالمائة وتصل في بعض الاحيان الى 25 بالمائة، مع العلم ان صاحب العقار لا يخسر ريالا واحدا على عقاره فالمستاجر هو المسؤول عن الصيانة بالكامل ورغم ذلك يعاني من الزيادات التعسفية، اذا القضية هي قضية شاملة وليست محددة بنشاط دون غيره وهذا أسوأ انواع الاستغلال للمواطن. هذا التضخم في اسعار العقارات من اراض ووحدات سكنية الى اقصى حد في هذه المرحلة هو تضخم استثنائي من صنع البشر ولا علاقة له بنظريات اقتصاد السوق، والتي لا يبدو انها ستلحظ تصحيحا منطقيا وسريعا يبنى على مشاريع جديدة او تطبيق انظمة مثل نظام الرهن العقاري او زيادة المعروض من الوحدات السكنية. فالسوق يعاني من تضخمات سعرية لا سابق لها وما من علاج لهذه الاوضاع الا بالرقابة والقرارات الصارمة من الدولة فهؤلاء لا ينفع معهم الا لغة الحزم التي ستؤتي أكلها لا ريب. بقى أن نعلم بأن المستهلك النهائي وهو المحرك الرئيس للسوق متوقف عن الشراء اجباريا بسبب الأسعار بما فيهم أغلبية المقترضين من الصندوق العقاري ، اما من سيقترض من البنوك وشركات التمويل كامل المبلغ فلن يكون في مقدوره مجاراة الأسعار وسيضطر الى الانتظار الى أن يشاء الله ويشهد السوق تصحيحا يتوافق مع قدرته الشرائية. اذا فالحل بيد الدولة وبيد المواطن كمستهلك نهائي فهما من يستطيع كبح جماح التضخم العقاري.