حين ندرس سعاد محمد لا بد من مراعاة أنها ولدت لأم لبنانية من تلة الخياط وهي السيدة نفيسة دندن ، وأب مصري هو محمد المصري من أسيوط ( عاش معظم حياته في لبنان) حيث كان ذو صوت جميل وعازف كمان هاو، فهي تنتمي لتراثين ما بين التراث المصري والشامي العائدين إلى مكاسب القرن التاسع عشر الثقافية، من تراث لهجة التمدن العربي النهضوية آنذاك (المصرية) في الأدوار والقدود والموشح والقصيدة والطقطوقة. تلقت أصول التجويد القرآني على أحد الشيوخ لتقويم النطق وأداء اللغة، وأخذت العلوم الموسيقية الأساسية من محمود سبليني (عازف القانون)، والعزف على العود محمود الرشيدي (عازف العود)، وتلقنت طرق أداء الأدوار والموشحات من حبيب الدندشلي، ومنحها توفيق الباشا أصول الغناء الشرقي المتقن. إن رحلة سعاد محمد ما بين لبنان (بلد المنشأ) ومصر(بلد الرحيل) لتفهم تجلياتها في ذائقة هذا المرأة البحرية المزاج. يمكن أن نضع لها أكثر من محطة فنية في تجربتها ولكن ما واجهته من عراقيل – سنذكرها لاحقاً – أحبطت مسيرتها من الاستمرار والتصاعد وجعلتها تعيش بين الحيرة الزمنية والحس الانهزامي الفنيين. غير أن ثلاثة مراحل فنية يمكن رصدها في مسيرتها، وهي على التوالي: المرحلة الأولى/ الحضور إلى القاهرة : أنجزت منذ البداية أول أفلامها " فتاة من فلسطين" (1948) إخراج محمود ذو الفقار، وقدم لها الملحن الكبير محمد القصبجي والشاعر محمود بيرم التونسي "يا مجاهد في سبيل الله، الهلال الأحمر ، بنت البلد" وأما الملحن رياض السنباطي " حبيبة السماء" من شعر محمود حسن إسماعيل. وقدمت بعدها بأعوام فيلم "أنا وحدي" (1952) إخراج هنري بركات، وغنت من ألحان زكريا أحمد وشعر صالح جودت " هاتوا الورق والقلم، يا رسول الله" ومن ألحان رياض السنباطي " أنا وحدي، إيه يا دنيا، فتح الهوى" ومن ألحان محمود الشريف " القلب والا العين". المرحلة الثانية/ الانتشار في الشام والعراق: استطاعت خلال فترتها القصيرة في مصر أن تكون قاعدة استثمرتها في حفلات مستمرة وتسجيلات أعمال لا تذكر برغم أهمية الكثير منها. فقد قدمت أعمالاً كثيرة مع الملحن السوري محمد محسن (1922-2007) كتب معظها زوجها الأول الشاعر والصافي محمد علي فتوح "العمر يوم، وين يا زمان الوفا،غريبة والزمن قاسي، دمعة على خد الزمن" وصدرت في أسطوانات عن شركة بيضافون عام 1954، ومن ثم قدمت أغنيات كثيرة في لبنان لعل أهمها لحن حليم الرومي لقصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي التي سيلحنها لها رياض السنباطي في السبعينيات ضمن هوسه بالمعارضات اللحنية كما فعل في قصيدة " أراك عصي الدمع" معارضاً لحن زكريا أحمد، وقصيدة " الأطلال" معارضاً لحن محمد فوزي. المرحلة الثالثة / عودة إلى القاهرة: بقيت سعاد تعمل بشكل مزدوج ما بين القاهرةوبيروت حيث نشطت منذ عام 1963 عندما قدمت أغاني فيلم "رابعة العدوية :شهيدة الحب الالهي"(1963) بطولة عايدة هلال وإخراج نيازى مصطفى كانت تلك الأغاني من تلحين رياض السنباطي وأحمد صدقي، وقدم لها أحمد صدقي اكثر من لحن خارج الفيلم لعل أشهرها " من غير حب" وأعادت تسجيل بعض أعمال زكريا أحمد التي وضعها لسواها من المغنيات غير أنها ستقدم أغنيات أعادت وهجها مجدداً في فيلم "الشيماء "(1972) بطولة سميرة أحمد من إخراج حسام الدين مصطفى وهي أناشيد وابتهالات وحوارات درامية وضع نصوصها الشاعر المتصوف عبدالفتاح مصطفى "كم ناشد المختار ربه، يارسول الله، يا محمد، محاورة : رويدكم رويكم، الله أكبر كبيراً، حسبه الله معه، طلع البدر علينا، لقد نجا ، واجريحاه" والألحان ل: بليغ حمدي، محمد الموجي وعبد العظيم محمد. وقد سجلت هذه الفترة مع توفيق الباشا في بيروت مختارات من أدوار وموشحات القرن التاسع عشر للعظام أبو خليل القباني ومحمد عثمان وسيد درويش " أنا هويت، ما احتيالي، ملا الكاسات". حيث ظهرت لتكرس صورة مغنية القرن التاسع عشر من خلال تخت شاركت في أحد مشاهد فيلم "بمبة كشر" (1974) بطولة نادية الجندي إخراج حسن الامام. وقد قدمت أغنيات أخرى في مسلسلات إذاعية : في موكب الأنوار، ليالي شهرزاد (ألحان أحمد باقر)،وفي مسلسلات تلفزيونية : بلبل الإسلام (ألحان حلمي بكر) ، ليالي الأصفهاني ( ألحان توفيق الباشا). وقد قدمت عام 1977 أغنية" أوعدك" من كلمات مجدي نجيب وألحان محمد سلطان، ومن ثم ألحقتها بأغنية "وحشتني " من كلمات صلاح فايز وألحان خالد الأمير.