عندما تبتعد عن الواقع مختارا لبضع دقائق، وتحلم مسرورا باسماً وأنت داخل هذه المدينة الحبيبة وفاءً واستحقاقا ، أو قل بقلب المحب المشفق العاتب، تلك الورشة الضخمة والمخيفة الغالية التي نسميها تجاوزا وعشقاً بالرياض ، وتتمكن أنت وحدك - غير عابئ بشيء - من الارتقاء والصعود إلى الأعلى والانعتاق أكثر لفضاءٍ آخر من خلال نافذة صغيرة في جدار هدير غول البناء والحراك السريع في كل الأشياء من حولك ، وهذا الزحام الأسود في تدافع الآلات التي تسير بأشباه آلات تشبه الأوجاع واللأواء والقلق والخصومات ولهاث المخلوقات القادمة من المجهول لمجهول أشد وطأة وألماً على أبواب المحاكم وأقسام الشرط أو هي كذلك بل هي هي . و عندما تتأمل في اسم مدينة الرياض وبعض من لجينات السواقي المختلطة بحبيبات عرق متساقطة من جبين فلاح متعب ينظر بعيني لهفته للسحاب دائما قبل خمسين عاما أو تزيد قليلا ، و انحناءات ( اللاند سكيبنق ) الفطرية وغير المصطنعة برسومِ ذي وشومٍ أزرق العينين جاء به النفط كما جاء بك الحنين ، أو تلك ( الكوال الترابية المرتفعة عن سواها والسواعد البشرية السمر المختلفة عن ما عداها ) والمنتهية في أحواض النخيل ذوات السعفات الطوال وسيدات الشجر المجتنى كما قال جواهريه المحروم ذات وله ، وترحل – أنت وحدك أيضاً - في سديم الواحات القديمة المحيطة بالبيوت والأسواق العتيقة وتغمض عينيك قليلا في خدرك اللذيذ مع رائحة طين وفاء وهيام وسلوى ونجوى عبدالله الناصر وتمعن في الرحيل مع الاسم الجميل للرياض مبنى ومعنى وأخيلة وأحلام صور متتابعة ومتباينة لمجموعة من الرياض الدائرية والمربعة والمستطيلة الخضراء وهي تحيط بك وأنت تسكن في بيتك الواقع في طرف إحداها ( روضة العليا وروضة الصحافة وروضة الشفا وروضة النسيم وروضة العزيزية وهكذا ) وتفصل كل واحدة منها مسافات متباعدة من الأشجار والنخيل ومساحات أخرى للفسح والترويح ، مُشكِلةً هذه الرياض بعد ذلك مدينتنا الكبيرة ( الرياض - الاسم بدلالته والمسمى بواقعة ) ثم تصحو في شبه شيء لا يريد الصحو إلا مع جيل بلا جفاف ولا عقد ولا تمييز عنصري وبلا تطرف ولا انحلال ، في توازن نفسي فريد يبتكر ويبدع مصادر ريٍّ وسقيا حقيقة ومجازاً ويبني حضارة ومجدا ، أو كي يعيش في واقع أمثل يليق به وبتاريخه العريق في عمارة البشر والحجر وبناء الحياة والإنسان على حدٍ سواء دون الأخذ بجانب وإهمال آخر ...