هناك فرق بين الابصار وآلية الابصار.. فآلية الابصار تتكون من العدسة والشبكية والعصب البصري وبقية أجزاء العين، في حين أن الابصار يعني القدرة على إدراك صور الأشياء وتفسيرها داخل الدماغ.. والعلاقة بين الطرفين تعني أننا ننظر بأعيننا، ولكن نبصر بأدمغتنا، ونفهم المشهد من خلال خبراتنا وارشيفنا السابق.. غير أننا قد نمر بظروف ومواقف تكون فيها أعيننا سليمة ولكن منطقة الابصار في أدمغتنا مشغولة أو معطوبة أو بحالة لا تسمح برؤية مايحدث أمامها {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون.. وقد يكون لهذا الأمر علاقة بنا نحن (كدخولنا في حالة ذهول أو سرحان أو إنكار للحقيقة)، أو علاقة بصاحب الشأن المقابل (كأصحاب الكاريزما الطاغية أو القادرين على تنويم الآخرين مغناطيسيا).. أو حتى قدرة البعض على سحر أعين الناس كما فعل سحرة فرعون حين رموا عصيهم وحبالهم {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم!!! ... والنقطة الأخيرة بالذات تذكرنا بآخر مقال كتبته عن وجود شخصيات تاريخية كثيرة كانت قادرة على سحر عقول الناس والتلاعب بقدرتهم على الإبصار مثل الطبيب الروسي راسبونتين الذي لم يشتهر فقط بالسيطرة على عائلة القيصر نيوقولا الثاني بل وقدرته على الدخول والخروج بدون أن يراه أحد .. أما الشخص الثاني فعراف ألماني يدعى وولف ميتسنخ هرب الى روسيا حيث أصبح صديقا لستالين وكان يفاجئه بالدخول عليه في الكريملين دون أن يشاهد من قبل حرسه الخاص!! .. وهناك احتمال بأن بعض الأشخاص يملكون (قدرة طبيعية) على سحر أعين وعقول الناس دون قصد منهم.. وهذه الفكرة خطرت ببالي اليوم أثناء قراءتي عن حالات يعتقد أصحابها فعلا أنهم غير مرئيين لمعظم البشر.. فهم ببساطة لا يُرون بسهولة ولا يثيرون انتباه الآخرين ويتم تجاهلهم في معظم الظروف والمواقف!!! ومن النماذج التي قرأتها (في مجلة فورتين تايمز البريطانية) حالة شاب يدعى بول بارسون لا تقف له الباصات ويتم تجاوزه في الطابور ولا يحظى بمساعدة الباعة في المحلات الكبرى. وحين يركب القطار يتجاوزه جامع التذاكر، وحين يكون في الفصل لا يلفت انتباه المعلمين، وحين يلوح بيديه لا يراه الشخص المقابل حتى يقترب منه فعلا.. ومع هذا يعترف بأنه ليس خفيا بشكل كامل حيث يمكنه لفت انتباه الآخرين حين يصرخ فيهم بقوة أو يهز أكتفاهم فجأة وهو ما يجعلهم يرتعشون من الرعب حين يتنبهون لوجوده المفاجئ!! وهذه الحالة الغريبة (التي دعتها المجلة: متلازمة الرجل الخفي) ذكرتني بادعاء كان يردده دائما أحد زملاء الطفولة في حينا القديم .. فحين كنا أطفالا كان هناك "مطوع" نخشاه كونه لم يسمح بتواجد أي طفل في الشارع ماعدا ذاهبا الى المسجد أو قادما منه. وهكذا كان مجرد مروره يثير في قلوبنا الرعب ويجعل كل منا يجري في اتجاه .. الاستثناء الوحيد كان طفلا هادئا لا يتحرك من مكانه مهما اقترب منه ومهما تفرق الأصحاب من حوله .. والغريب أكثر أنه لم يتعرض يوما لعصا المطوع أو تقريعه بل كان يمر أمامه بدون أن يلقى منه اهتماما!! وذات يوم سألته عن سر شجاعته فأجابني ببرود: "المطوع ما يشوف" فسألته: "تقصد أعمى بس يضحك علينا"؟.. قال: "لا ؛ ماهو أعمى بس ما يشوفني أنا" .. لم أفهم كلامه فأستطرد قائلا: "حتى أبوي ما يشوفني دايما لكنه يشوف أخواني في الشارع"!!! كان ببساطة يعتقد أنه (غير مرئي) للآخرين طالما بقي هادئا وثابتا في مكانه.. واليوم بدأت أرجح أن هدوء أعصابه كان يحول دون استفزازه للآخرين ويمنعهم من التعرض له والتنبه لوجوده (وفي حين كنا نتصرف حسب قاعدة: كاد المريب أن يقول خذوني).. أما إن حاولنا تفسير الأمر عضويا فلا أجد غير حقيقة أن الأجسام المتحركة تشد الانتباه (وستدعي تركيز منطقة الابصار في الدماغ) أكثر من الأشياء الساكنة.. ولهذا السبب بالذات أنصحك بالثبات وعدم الحركة حين تواجه فجأة أفعى سامة أو حيوانا مفترسا.. ولنفس السبب أنصحك بعدم الاندماج مع (الآي فون) حين تكون بين مجموعة / وإلا ستنسى وجودك بينها!!