تمتلك المملكة تواضعاً متميزاً، وأخلاقيات عالية عند الحديث عن المواقف التي تتخذها، والقرارات، والسياسات التي تنتهجها تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت قضية العرب الأولى، أو هي شعار يرفع عند بعض الأنظمة لتبرير ممارساتها، وتكريس شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" والمعركة مؤجلة في أجندتهم ما دامت وسيلة يُسوّغ عبرها القمع، والفساد، والاستئثار، وحكم المؤسسة العسكرية التي تحولت في مسمياتها إلى "الحرس الثوري" تارة، و"الحرس الجمهوري" تارة أخرى، و"الحرس الرئاسي" تارة ثالثة، -كم نحن خلاقون في ابتداع المسميات، حتى لأصنام الأمة من الزعامات-، وتبدّلت واجباتها، ومسئولياتها، وأدوارها من المواجهة على الجبهات، ووضع الأصبع على الزناد في جهوزية تامة لساعة الحسم، وتحرير الأرض، واستعادة الكرامة، إلى وظيفة أخرى تستهدف الشعوب، وحرياتها، وتطور مناحي حياتها، ومضامين النمو والتنمية البشرية، والحياتية، وتحديث اقتصاديات الوطن بما يكفل الانعتاق من الجهل، والبطالة، والبؤس الإنساني. ظلت المملكة -ولا تزال- حريصة في تعاملاتها، ومواقفها تجاه القضية العربية، حريصة بمنطلقات عروبية، وأخلاقية، الالتزام بمبادئ حق الأمة، والشعب الفلسطيني على استعادة الأرض، والمقدسات، وعودة اللاجئين إلى أرضهم، وكانت في هذا السلوك المعلن، والواضح، والصريح، وغير المخادع، أو الملتبس، تقول بصدق، وتعلن أن لا مساومة، ولا تنازل، ولا مقايضة تجاه هذه الحقوق، في وقت فقدت بعض الأنظمة المزايدة على مواقف المملكة المصداقية، والمشروعية منذ زمن بعيد، وعهود خلت منذ بداية مسيرة التوريث، والمورّثين، والوارثين. وكان أصدق فعل يجسد مواقف المملكة المتميزة، مشروع خادم الحرمين الشريفين، الذي تحوّل إلى "المبادرة العربية للسلام" وأقرته الدول العربية في قمة بيروت عام 2002، وإن عملت بعض الزعامات العربية، ومن يدور في فلكها من الفصائل الفلسطينية على إجهاضه، أو تعطيل مساره، أو المزايدة عليه. وأمام مشروع الطلب باعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 من يونيو "حزيران" 1967، الذي سيطرح للتصويت عليه في سبتمبر "أيلول" المقبل، نستدعي بعض العبارات، والآراء، والأفكار التي جاءت في المقال المهم الذي كتبه الأمير تركي الفيصل في "الواشنطن بوست" بتاريخ 11 / 6 / 2011، وهو أحد الخبراء في السياسة السعودية، وقريب جداً من صناعة القرار. "... إن السعودية هي المؤيدة الأساسية للفلسطينيين على كل الأصعدة. وهي القادرة على توحيد معظم الدول الإسلامية في تأييد الكفاح الفلسطيني، وستستخدم قدراتها الديبلوماسية وصلاحياتها الدينية لدعم مطالبتهم بالحصول على اعتراف دولي". ومضى في آرائه.. "... إن استعمال الفيتو الأميركي، ستكون له آثار محمّلة بالمصائب على علاقات أميركا مع السعودية، وأن الفجوة بين العالمين العربي والإسلامي والغرب ستتسع ومعالم الصداقة والتعاون بين الطرفين قد تتأذى". إذن: المملكة لا تفكر مطلقاً بعقلية ادعاء البطولة، ولا تستميل الشعوب عبر شعارات بليدة، رخوة، تكشّف اهتراؤها، وهشاشتها، ودجلها، وكذبها، وتظليلها، ولا تستخدم المواقف لكسب شعبية، أو صخب، وضجيج إعلامي بائس، وتعيس في مضامينه، وأهدافه، ولكن الموقف عندها أمانة عروبية، وسلوك أخلاقي، وهمّ دائم.