على كفالتي عامل زراعي منذ سبع عشرة سنة. وهو يتعامل مع أكثر من رئيس وآمر هم أشقائي الأربعة، ومن بعدهم من ولد قبل وبعد قدوم العامل من الأبناء. ومع هذا لم يحدث طول هذه المدة ان حصل خلاف أو تذمر من أي من الأطراف. ومع أنني لم أعانِ من مشكلات عمالية. فقد تناولت موضوع العمالة مرات عديدة عبر صفحة الرأي، والصفحة الزراعية في صحيفة «الرياض» منذ أكثر من ثماني سنوات. وكان من بين ما طرحته من أفكار عن إنشاء شركات عمالة على الصيغة التي أخذت بها لائحة شركات الاستقدام وتنظيم استقدام العمالة للغير، والتي أعلنها معالي وزير العمل. ففي المادة (الخامسة من اللائحة) تقديم الخدمات للغير. أما فيما يتعلق بتنظيم استقدام العمالة للغير فلم يضف لدور مكاتب الاستقدام شيئا الا بتقنين الدور. والمهم في اللائحة هو تقديم الخدمة للغير بل هو الأهم من وجهة نظري فقد تناولت فيما سبق وكتبته كيفية وآلية هذا الدور في مقالات نشرتها «الرياض» في حينها، ولولا عيب اعترف به على نفسي وهو عدم ارشفتي لمحفوظاتي مما يسهل الرجوع إليها عند الحاجة كحاجتي هذه بذكر الاعداد والتواريخ. وأذكر أنني بينت ضرورة إنشاء شركات توفير العمالة وفق الآلية التالية: أولاً: رأس المال وقد أخذت به اللائحة بغض النظر عن حجم المبلغ، والضمان وهو الآخر أخذت به اللائحة. ثانياً: ان تكون الشركات شركات تقديم العمالة للغير فقط. ولا تعمل كوسيط استقدام. بحيث تكون الشركات هي كفيلة العامل، لأن عمل الشركة كوسيط عمل فردي يقوم به أصحاب مكاتب الاستقدام ولن يغير من واقع المشكلة (التستر) شيئا. ثالثاً: ان تمنح الشركات عددا يتراوح بين (5000-10000) تأشيرة والا تقل نسبة أي مهنة مثلاً: (طبيب، بيطري، مهندس، نجار.. إلخ) عن 5٪ من مجموع عمال الشركة. رابعاً: ان توحد صيغة عقد العمل (اتفاقية تشغيل العامل) بين جميع الشركات وأصحاب العمل، يما يضمن حقوق واجبات العامل ورب العمل. خامساً: ان تلزم الشركات بإصدار بطاقة توجيه وتعريف موحدة الصيغة والبيانات على أوراقها الرسمية وبشعارها لكل عامل تتضمن المعلومات الرئيسية الشخصية للعامل ولصاحب العمل، واسم الشركة الكفيلة، ورقم الإقامة ورخصة العمل ورقم الجواز والمدة المتفق عليها بين الشركة ورب العمل، موقعة ومختومة من الشركة. تكون في حيازة العامل أينما وجد في مواجهة الجهات المسؤولة، وفي سبيل القضاء على ظاهرة التستر والهروب. اللائحة التي قرأتها تعاني من فجوة ظاهرة إذ لم تتطرق للمقابل الذي تحصل عليه الشركة المقدمة الخدمة للغير من أصحاب العمل، ولم تتطرق لكيفية بيان أجر العامل في أي مهنة. مما يفتح باباً واسعاً لاستغلال الشركات لأصحاب العمل. قد يكون استغلالاً أكبر من استغلال ومغالاة مكاتب الاستقدام الحالية. وهو ما يجب الالتفات إليه بوضع آليات محددة تلزم الشركات، وتكون مرجعية ترجع لها الشركات لتأكيد وتوثيق صحة بيانات عقود عمالها وليتعرف رب العمل على مقدار أجر العامل الشهري المتفق عليه في عقد العمل وهو واثق. وهذا يجب ان يترتب عليه ضبط المقابل الذي يدفعه أرباب العمل مضافاً على أجر العامل للشركة في مقابل أتعابها في استقدام وتوثيق إقامة ورخص وفحص العامل. على الا يزيد عن راتب شهرين وبحد أعلى الفين ريال عن كل 12 شهراً. حيث ان اطلاق ما تحصل عليه الشركات بدون ضبط أو قيود تحد من المغالاة. سيفتح نافذة واسعة للتلاعب في بند الأجور على عقود العمال. وسوف تستغل الشركات أرباب العمل أبشع استغلال. والا نكتفي بالركون على الضمير وحده. فها نحن بضمائرنا نعاني من مشاكل عمالة خلقناها لأنفسنا كالتستر وبيع التأشيرات.. إلخ. فسوف يستقدم العمال من قبل البعض وليس الكل بعقدين وبأجرين أحدهما ظاهر والآخر خفي. في سبيل الحصول على الراتبين الأعلى. لذا فإن راتبين عن كل (12) شهراً وبحد أعلى الفين ريال. وبالتالي نصيب المدة المنقضية لدى صاحب العمل بقسمة الراتبين على (12) مضروباً بعدد الأشهر وربما الأسابيع والأيام. فالمسألة الحسابية سهلة ويمكن اعتبار الشهر أو الأسبوع واليوم كلها معايير لحساب تكلفة العامل لدى صاحب العمل فيما يخص اتعاب الشركات. فالمهم المبدأ. كما أنني لم اقرأ في اللائحة ما يشير إلى محاولة معرفة مصادر دخل العمالة، والذي نعاني منه اليوم، من خلال الزام الشركات بإيداع أجور العمال في حساباتهم بالبنوك، وفق الآليات المتعارف عليها والمعمول بها في الشركات والمؤسسات والدوائر الحكومية باشتراط دفع أجور العمال من قبل صاحب العمل للشركة وليس للعامل، لتقوم بإيداعها بانتظام.