هناك فكرة عميقة ومتمكنة داخل معظم الرجال والنساء حتى المتعلمين منهم والمثقفين أو من يعتقد أنه من فئة المثقفين حول كيفية استمرار الحياة الزوجية ، والشاهد يحضر على ألسنة ونصائح هذه الفئة في عدة مواضع منها البرامج التي تُعنى بالحياة الأسرية أو الدراما أو النصائح التي تعطى بشكل شخصي ومن باب تبادل التجارب والخبرات ، فعندما تشتكي المرأة من سوء تعامل زوجها ومعشره أول ما يُطلب منها الصبر والتحمل ، ولتخفيف همها يقارن بينها، وبين الاسوأ منها وضعاً والأسوأ منه سلوكاً وفعلاً ، وعند عقد هذه المقارنة ترجح كفة السيئ على الاسوأ ، أي أن وجود الاسوأ جعلنا نعطي قيمة جيدة للسيئ ، الشخص الجيد فعلاً لايدخل في المقارنة فهو يرجح كفة الحياة الطبيعية للمرأة، ولو طالبت المرأة بحياة كريمة حسب ما يوفرها الشخص الجيد فهي تهدم بيتها في نظر أهل هذه النظرية الذين يدعون للنظر إلى الأسفل، ويشددون على عدم النظر للأعلى ففيه كسر للأعناق وانهيار لأعمدة المنازل الأسرية.. وأنا هنا لا أتحدث عن النظر للأعلى على مستوى مادي حتى لا يصطاد المتبنون لنظرية النظر للأسفل في المياه، وإنما أعني النظر للأعلى على المستوى الإنساني !! فيحثون المرأة على غض النظر عن أفعال زوجها ، وعليها مهما رأت أن تتظاهر بأنها لم ترَ ولم تعلم، وإن فقدت أعصابها وأظهرت معرفتها بالمشين والمخزي من أفعال زوجها فعليها أن تسارع بالصفح، وتنسى أو تتظاهر بإتقان ومهارة أنها عفت ونسيت، وأن لا تعود لذكر ما يعكر مزاج زوجها من أفعاله وسلوكه وما أصاب نفسها وروحها من جرح وكسر فعلاجهما مهمتها الذاتية ، ويصف البعض بأن هذا التعامل مع المشكلات والجروح ذكاء من المرأة للمحافظة على بيتها !! وحقيقة هو كذلك فالمرأة التي تغض نظرها عن أفعال زوجها المشينة وتتحمل إهانته تبقى أعمدة منزلها قائمة وصامدة ولكن أمام الناس فقط بل وقد تظهر أعمدة مزخرفة وبديعة لمن هم خارج هذه الأسوار أما من يعيشون خلف هذه الأعمدة بمن فيهم الزوجة فهذه الأعمدة الشاهقة تحجز عنهم الهواء الصحي حتى درجة الاختناق ، ولكن الحسبة الأساسية التي تروج للنظريات التي ذكرناها سلفاً لا يعنيها الوضع الصحي لمن خلف الأسوار ما يعنيها هو بقاء السور قائماً ولن يتحقق هذا إلا بصمت المرأة !! وكون هذه النصائح توجه بشكل مباشر للإناث أياً كان موقعها أختا / زوجة / ابنة ، فهي أيضاً رسائل مباشرة لبعض الذكور تطمئنهم أن هناك من تصبر على سوء أفعالهم مهما كانت ، وأن الصبر والتحمل والتكتم هي أجزاء أساسية من حسن تربية وطيب منبتها ومتى اختلت هذه العناصر فهذا ليس لعيب فيها وإنما لعيب في المرأة التي لم تحسن تربيتها وخبث منبتها !!