نبدأ من تقريرٍ ، وأرقام ، وإحصاءات ، محزنة وموجعة . ولغة الأرقام هي أصدق اللغات في الوعي ، والفهم ، والدراسة ، والتحليل ، وهي المرشد والمعيار لوضع الرؤى ، والبرامج ، والخطط ، لمعالجة الأوجاع ، والداءات ، وتشخيص الخلل قبل الانهيارات. " ... حسب حمدي بخاري الممثل الإقليمي لمفوضية شؤون اللاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي فإن 70% من اللاجئين حول العالم هم من المنطقة العربية والإسلامية وإن هذه الإحصائية لا تشمل ليبيا وسورية"! وأوضح بخاري ل" الرياض" أنه بنهاية عام 2010 بلغ عدد المشردين بسبب النزاعات 43.7 مليون شخص حول العالم، وأن هذا الرقم هو الأعلى على مدى 15 عاماً الماضية، ويضم هذا العدد 15,4 مليون لاجئ، وَ 27,5 مليون نازح داخلياً. وتُعنى المفوضية بحكم ولايتها بأكثر من 25,2 مليون شخص، منهم 10.55 ملايين لاجئ، و14.7 مليون نازح داخلياً، وتوليهم الحماية والمساعدة.. هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين ، والنازحين من الوطن العربي الكبير - والمصطلحان تعبير مهذب لمصطلح المشردين - تمثل مؤشراً محبطاً ، وموجعاً للحالة التي تمرّ بها المجتمعات العربية ، ومأزقها التاريخي مع الأنظمة الاستبدادية الجاهلة ، فقد عوملت هذه الأعداد من البشر كقطعان تُساق إلى أقدارها مسلوبة الإرادة ، مهمّشة الرأي ، رخيصة الكرامة والقيمة البشرية ، لايحسب لها وزن في صناعة الأوطان، ولا يُتاح لها تأثير في عملية الإنتاج ، وتقرير المصير السياسي ، والتنموي . فالقاعدة عند الحكام الدكتاتوريين ، أصحاب الحزب الواحد ، والقرار الواحد ، هي أخذُ الشعوب ، والجغرافيا ، والمصائر ، والمقدّرات ملكاً مكتسباً للحزب ، أو للرموز المستبدة بالحكم ، يتصرفون بها كما يشاءون ، وكيفما يشاءون ، ومتى يشاءون. أما أن تكون الدولة حسب المفهوم المتعارف عليه عند علماء الاجتماع السياسي مكونة من جغرافيا وشعب ، فهذا المفهوم مؤجل في الفكر التسلطي القمعي النرجسي ، أو هو لا يرد في الأذهان! لقد فرضت الهجرة ، والتشرد ، والغربة نفسها على كثير من المواطنين العرب ، إن على مستوى النخب الفكرية ، والاقتصادية ، وإن على مستوى رجل الشارع البسيط ، وذلك إما بسبب الاضطهاد على خلفية الانتماء الطائفي ، أو الديني ، أو الرأي السياسي . وإما بسبب البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية ، وعدم تكافؤ الفرص في الحياة المعيشية ، وإما بسبب النزاعات والحروب التي تفتعلها الأنظمة والأحزاب بحماقاتها ، وتجرّ البشر إلى أتونها ، وويلاتها ، وما تخلّفه من كوارث ، وانهيارات على كلّ الصعد ، والمضامين.. لقد أصبح الإنسان العربي يعيش التشرد ، والتيه ، والغربة في المنافي ، ويتواجد بإشفاق على أرصفة عواصم العالم ، وفي مرافئ مدنه يشحذ الرغيف ، ويستجدي اللحاف بدلًا من توظيف عقله ، وفكره ، وقدراته في بناء الجغراسيا العربية ، والمساهمة في توطين المعرفة ، والإبداع ، والتنوير في مجتمعه ، والأرض العربية غنية بمواردها ، ثرية بمقدّراتها الطبيعية والزراعية والاقتصادية ، سخية في عطاءاتها للإنسان. إنها أنظمة توليتارية قمعية تحولت إلى لعنة على الشعوب ، والجغرافيا ، والإرث. ونختم باستعارة من شاعرٍ عربي مشرد: "من يشتري - الله يرحمكم ويرحم أجمعين آباءكم ، يامحسنون - اللاجئ العربي ، والإنسان والحرف المبين برغيف خبز إن أعراقي تجف ، وتضحكون اللاجىء العربي شحاذ على أبوابكم عار طعين النمل يأكل لحمه ، وطيور جارحة السنين من يشتري ؟ يامحسنون ..! " نختم ، ونضع نقطة على السطر.