بسط الغياب مشاعره المؤلمة فوق المساحات الشاسعة لبراءة الطفل «أحمد» ذو العشرة سنوات في كل لحظة كان يحاول فيها أن يقترب من مجرد ظل لبقايا وجود حقيقي لوالده الغائب عنه بجسده ومشاعره واهتمامه ويفاجأ ببرودة الثلج تقضي على كل آماله في لحظة خارج حدود الزمان والمكان، محاولاً الاختباء فيها داخل ثنايا حضن والده؛ لينمو من رحيق عطائه ويتنفس من شرايين قلبه ليغيب إلى مالا نهاية بين مفترق طرق تناثرت في نهايتها أحلامه الوردية ليفيق على واقع الغياب المر بسبب ظروف العمل أو لقضاء وقتا ممتع مع الأصدقاء. بسط الغياب مشاعره المؤلمة فوق المساحات الشاسعة لبراءة الطفل «أحمد» ذي العشر سنوات في كل لحظة كان يحاول فيها أن يقترب من مجرد ظل لبقايا وجود حقيقي لوالده الغائب عنه بجسده ومشاعره واهتمامه ويفاجأ ببرودة الثلج تقضي على كل آماله في لحظة خارج حدود الزمان والمكان، محاولاً الاختباء فيها داخل ثنايا حضن والده؛ لينمو من رحيق عطائه ويتنفس من شرايين قلبه ليغيب إلى مالا نهاية بين مفترق طرق تناثرت في نهايتها أحلامه الوردية ليفيق على واقع الغياب المر بسبب ظروف العمل أو لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء. وبرغم الألم لكل لحظات الغياب كان «أحمد» يحاول أن يستجدي عاطفة والده لحاجته الماسة اليه، فكان يترك له ورقة سجل فيها عبارة «أنا محتاجك يا بابا» ليجد تلك الرسالة ملقاة على الأرض في اليوم التالي، وليصبح سؤاله الحائر بين نظرات عينيه من يعوض غيابك يا والدي. «الرياض» نقلت صور غياب الأب في أكثر من سيناريو سمعناه من الأبناء وقارناه من فوق سطور ورقات ملونة دونت بعضا من معاناة غياب الأب، محاولين البحث عن حلول تعوض هذا الغياب القاسي من المختصين. لحظة التخرج البداية كانت مع «سعود» -الطالب بالمرحلة المتوسطة- والذي أكد لنا بأنه ينتظر لحظة تخرجه من المرحلة الثانوية لينتقل للدراسة الجامعية في إحدى المدن البعيدة عن بيت العائلة والتي تعيش بأجسادها المتجاورة من أجل أن يكبر وأخواته داخل بيت يئن من برودة المشاعر، وذلك بسبب غياب والده بسؤاله واهتمامه عنهم فلا وجود له كما يقول إلا من خلال كلمات مقتضبة تتضمن السؤال عن موعد النوم الذي يرتاح فيه للهدوء الكامل ويعم السكون أرجاء البيت، مشيراً الى انه يتناقش مع والده من خلال الرسائل التي تقوم بإيصالها والدته بينهم فوالده يرفض النقاش المنطقي ويرفض أي محاولة لفتح حوار أسري دون أسباب. غياب والدي الشاب «مهند» -الطالب في المرحلة الثانوية- يتغيب والده عن البيت لظروف عمله التجاري فهو إما مشغول بالاتصالات والاجتماعات وإما أنه مسافر لعقد الصفقات التجارية، قائلاً: يضيق الوقت بوالدي كلما حاولت أن أتحدث معه ليقطع رنين هاتفه المحمول، الوقت القصير الذي أحاول أن أحفظ فيه بعضا من ملامح وجهه والذي أفتقده كلما شاهدت مشهداً تلفزيونياً يعانق فيه أب أبناءه أو عندما تدور أحاديث أصدقائي في المدرسة عن الوقت الذي أمضوه مع والدهم للتنزه أو لمشاهدة المباريات أو لتناول الطعام معه، مضيفاً: ورغم أن والدي يقوم بتحويل مصروفي الشهري على حسابي والذي يستطيع توفير احتياجات ثلاثة شباب في مثل عمري إلا أن هذا المال يشعرني بالتعاسة لأنه ثمن لغياب والدي عن محيط حياتنا. أعذار لا تقبل وتؤكد الشابة «مريم» -الطالبة الجامعية- على أنّ الأعذار التي يتعلل به الآباء لتبرير غيابهم عن البيت سواء بدواعي العمل أو لقضاء الوقت مع الأصدقاء يعتبر بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير» لتتسع بعدها فجوة الغياب إلى أقصى مداها وليضيع في مداراتها الأبناء في صورة مشاكل يصعب حلها أحيانا، مضيفةً: عندما اجتمع وصديقاتي تسيطر على أحاديثنا معاناة غياب آبائنا وأمهاتنا عن محيط حياتنا بسبب ظروف العمل أو لانشغالهم مع أصدقائهم والحقيقة أنها معاناة مؤلمة تسببت في غياب الرابط الأسري في بيوتنا، وأصبحت صلة الصداقة بيننا كزميلات أقوى من علاقتنا بأخواتنا، مشيرة في حديثها إلى أن أسباب غيابهم مهما كانت غير مبررة فالمال لن يعوضني غيابهم والوقت الذي يقضونه خارج البيت نحن في أمس الحاجة إليه، والذي قد يدفعنا للبحث عن بدائل أخرى مع أشخاص آخرين لأننا في حاجة لمن يسمعنا. تصرفات طائشة وتبرر صديقتها «نوره» تصرفات الشباب والشابات الطائشة بأنها نابعة من مشاكل غياب أحد الوالدين والذي يترك فراغا كبيراً في حياتهم يصعب تعويضه من خلال الأقارب سواء العم أو الخال أو الأخ الأكبر، قائلة: بسبب غياب والدي وإهماله لنا تعلقت كثيرا بخالي والذي كان يحاول أن يوفر لنا كل ما نحتاجه، وبالتالي أصبحت أشعر أنه والدي والذي لم يعد يشكل وجوده وغيابه أية مشاعر ولطالما تمنيت أن يكون خالي والدي الحقيقي. تعويض الأب من جانبه يؤكد الأخصائي النفسي «د.عبدالرحمن الصبحي» بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويض غياب الأب، ولكن بحكم أنّ الآباء قد يتغيبون لأسباب عديدة قد تكون في مجملها خارجة عن إرادتهم كالسفر للخارج من أجل العمل أو التغيب لساعات طويلة بغرض زيادة الدخل وذلك بالعمل لساعات إضافية خارج الدوام والجمع بين وظيفتين دون شعور وأدارك أن هذا الغياب قد يعصف بحياة أسرته وفي العادة تتحمل الأم مسؤولية هذا الغياب فتقوم بدور الأم والأب معا لتعويض حاجة الطفل النفسية، ولكن العطاء سيكون ناقصاً لأنها لن تستطيع تدراك الغياب، مؤكداً على أنه مهما بذل الطرف الآخر من جهد سواء العم أو الخال لتخفيف آثار غياب الأب لن يستطيع الوصول إلى المحتوى، فالكلام وتقديم النقود لن يوفر الحاجة العاطفية بين الأب وابنه فالتواصل الروحي مهم. تحمل المسؤولية وأوضحت «د.فوزية الشمري» -وكيلة كلية التربية للتطوير والجودة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن- جدوى البدائل التربوية لغياب الأب مشيرة في حديثها الى أن غياب الآباء عن أسرهم يأخذ عدة أشكال ومن «وجهة نظرها» ترى أن سعي المرأة لتحقيق ما يسمى المساواة ومن أجل إثبات وجودها قد حملت نفسها الكثير وعلى قائمة ذلك متابعة الأبناء وتحمل مسؤوليتهم كاملة مما أراح الأب الذي تخلى عنها بكل طيبة خاطر بحيث أصبحت من الأدوار الأساسية المطالبة بها الأم وهو ما يهز دعائم الأسرة المبنية عليهما معا. الآثار والنتائج المترتبة وأضافت: إن غياب الدور التربوي للآباء عن ملاحظة وتوجيه الأبناء ينتج عنه في أسوأ حالاته انحراف الأبناء والذي يعتبر من الظواهر الاجتماعية التي تنشأ وتترعرع في ظل عوامل نفسية واجتماعية خاصة وتحت ظروف سياسية واقتصادية وثقافية معينة، وتشترك جميع هذه العوامل والظروف بشكل أو بآخر، في إفراز ظاهرة انحراف الأبناء في الواقع الاجتماعي ومن ثم، فان أيه معالجة جادة لهذه الظاهرة، تتطلب إصلاحا حقيقياً في جملة هذه العوامل والظروف التي تساعد على تحويل الأبناء من أسوياء إلى منحرفين وتساعد على وجود هذه الظاهرة في المجتمع. مؤسسات المجتمع المدني وقالت «د.الشمري»: لذلك لابد أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني أغراض ايجابية كبيرة تخدم كيان الأسرة وتعزز استقرارها، مثل تقديم الحلول والمعالجات للمشاكل الأسرية حتى لا تتفاقم وتصبح الأسرة بؤرة منتجة للاضطراب وتقويض أمن المجتمع، وتتبنى بعض المؤسسات الأهلية الاهتمام بنشر ثقافة الفضيلة والالتزام الأخلاقي والتبشير بقيم الخير والصلاح، ومن إسهامات المجتمع في ذلك وجود منظمات وجمعيات لإرشاد الشباب وجمعيات لتأهيل الشابات وتركز هذه المنظمات والجمعيات أعمالها في الأحياء السكنية والمدارس ومواقع تجمع الشباب. البدائل التربوية وأوضحت بأن البدائل التربوية لغياب الأب تتشكل في تعزيز صلة الرحم والقربى حيث ان شعور الأبناء بصلاتهم الاجتماعية المتينة يسهل تقبل دور الأقارب كالأخوال والأعمام في التربية والتوجيه، والانشغال الاجتماعي وهو أن ينغمس الأبناء في نشاطات اجتماعية سليمة تستهلك طاقاتهم الفكرية والجسدية كالرياضة والهوايات والعمل التطوعي لخدمة المجتمع، مشيرة الى أهمية الأسرة ككيان متماسك ولبنة قوية لبناء أي مجتمع من المجتمعات ولابد لكل أسرة من وجود الوالدين فهما عمودين مهمين لهذا البناء، وإن كان الأب هو القائد الفعلي وربان السفينة الذي يبحر بها إلى شط النجاة، ويمثل صلاح الأبناء بصلاح الأب كونه القدوة ولما يتمتع به من صفات قيادية تجعله محط إعجاب أبنائه، لما يملكه من هيبة واحترام ولكن في حالة غياب الأب عن المنزل لمدة شهر أو أكثر فما هي الطرق البديلة لتعويض هذا الغياب وملء الفراغ الذي سيتركه الأب في حياة أبنائه حال غيابه لاسيما إذا كان الأبناء أو أحدهم يمر بمرحلة المراهقة، ومن البدائل التربوية في التعامل حال غياب الأب عن المنزل وهنا يكمن دور الأم الفعال وزرع الثقة فيها لتحل محل الأب، فهي القائد الثاني وعليها أن تسد هذا الفراغ الذي خلفه غياب الأب، وضرورة زرع القدوة في الاقتداء دائماً بالرسول صلى الله عليه وسلم وليس بالأشخاص.