لقد عدت للتو من زيارتي الأولى إلى مدينة جازان إحدى المناطق الجنوبية في المملكة العربية السعودية. وكان من دواعي سروري أثناء الزيارة أن اجتمعت مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر، أمير جازان، وحضرت الجزء الأخير من التمرين المشترك الذي عقد بين قوات المارينز البريطانية والقوات البحرية الملكية السعودية. وعلى مرور خمسة أيام متتالية تدرب الطرفان معا جنبا إلى جنب للاستفادة من الخبرات المشتركة واختبار التكتيكات والمعدات لدى كلا الطرفين. وقد حضرت وسعادة اللواء خالد الحمدان، قائد الأسطول الغربي، العرض المشترك في آخر يوم من التدريب. وأشاد سعادته بأسلوب عمل القوتين مع بعضهما البعض بثقة متزايدة وكذلك بمقدرتيهما في التغلب على العوائق اللغوية. بدأ ذلك اليوم مع وصول حوامة إلى الشاطئ انطلق منها المتدربون، وتحرك مركبات إنزال مدرعة وبرمائية "فايكنج" من المياه إلى اليابسة، بينما اكتسحت طائرة مروحية سعودية "سوبر بوما" المجال الجوي. وفي نهاية اليوم خالجني شعور ضئيل بالأسف على معسكر العدو الوهمي لما داهمه من قذائف ورشاشات وجنود بواسل. وفي الختام قامت الصواريخ الموجهة " جافلين" بتفجير عربة "العدو" على بعد كيلومتر واحد فقط. وقد كان هذا التمرين برهانا ملموسا لمفهومنا حول الشراكة الإستراتيجية مع المملكة العربية السعودية. فهي تتمثل في التزامنا بتعاون طويل الأمد نتبادل فيه الخبرات ونطور فيه قدرتنا على العمل معا. في الوقت الذي تنتشر فيه القوات البريطانية في أرجاء العالم عملا على تسوية النزاعات المختلفة، يأتي هذا التمرين المشترك الذي شاركت به قوات المارينز البريطانية وأسطول الدعم البريطاني "كارديجن بي " بمثابة دليل يوضح مدى قوة العلاقات الثنائية القائمة بيننا. كما يعد أيضا دليلا دامغا على الالتزام السعودي بعلاقاتنا العسكرية، إذ بالرغم من الحر الشديد الذي تشهده منطقة جازان في هذا الشهر شاركت نخبة من القوات البحرية الملكية السعودية بهذا التمرين. ولا يسعني إلا أن أعبر عند مدى إعجابي الشديد بحرفية القوات البحرية الملكية السعودية وجودة أدائها، الأمران اللذان يعكسان أثر القيادة الحكيمة لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي أمضى سنين عديدة كوزير للدفاع والطيران. ولم تقتصر الرحلة إلى جازان على ذلك فحسب، فقد اتضح لي أيضا مدى الجهود التي يبذلها أمير جازان لتحقيق تطورات في هذه المنطقة. أدرك أن جازان تتمتع بأكبر كثافة سكانية في المملكة العربية السعودية كما أن اقتصادها وثقافتها هما أمران فريدان من نوعهما كسائر مناطق المملكة العربية السعودية، إلا أنها تواجه تحديات وأولويات مختلفة. إن المدينة الاقتصادية في جازان تملك القدرة على أن تقلب الموازين من خلال تشييدها لميناء ضخم ومصفاة للنفط في المنطقة. ولا يضاهي هذا الأمر أهمية سوا الخطة الطموحة المخصصة لجامعة جازان، التي من شأنها أن تزيد من فرص التعليم العالي لسكان المنطقة. وبالطبع لا يسعك إلا أن تلاحظ التطوير الذي يشهده القطاع الخاص عندما تعبر طرقات وشوارع المدينة. وقد دعاني أمير جازان للعودة مع زملائي في السفارة البريطانية للاطلاع على الفرص الاستثمارية هناك، وإنني أعتزم القيام ذلك. كما لن أنسى أبدا جودة الطعام المحلي ومذاق السمك الطازج، وأكثر من ذلك كله حسن ضيافة وطيبة من التقيت هناك. وقد سبق أن أشرت إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبد العزيز آل سعود، نائب وزير الدفاع والطيران، بأنني ذاهب إلى جازان وأخبرني سموه الكريم بأنه يملك مزرعة فاكهة المانجو هناك وأثنى على جودة مذاقها. وعند وصولي إلى جازان تفاجأت بصناديق من المانجو التي حضرت خصيصا لي ولفريقي. ويالها من تذكار لطعم شهي ووقت رائع قضيته في جازان.. ولذلك فإني أحيي هذه التقاليد العريقة وحسن الضيافة السعودية، وأتطلع إلى العودة إلى جازان قريبا. ولكن ربما عندما يتحسن الطقس قليلا.. * سفير صاحبة الجلالة البريطانية لدى الرياض