وهو يتحدث عن بعض محاولات توطين البادية في شمال الجزيرة العربية أوائل العشرينات الميلادية وخطة دمج سكان الصحراء مع المجتمعات المنتجة فيما بين النهرين والقضاء على العراقيل التي كانت تعترض خطة الإصلاح بما فيها الغزو بين القبائل وغارات النهب وفرض (الخوة) على القوافل العابرة يقترح الرحالة أوبنهايم انه لا بد من اتخاذ إجراءات عسكرية صارمة بالاعتماد على توسعة شبكة التلغراف الذي كان قد بدأ استخدامه في مجال ضيق لمراقبة الأوضاع الأمنية في الصحراء وتوظيف قوة (البغالة) وهم جنود دوريات في الصحراء على غرار الهجانة يركبون البغال للتغلب على سرعة تنقلات البدو الرحل: يتمثل الإجراء الضروري الآخر في هذا الصدد في توسيع شبكة التلغراف، وقد تم وصل الخط مع دير الزور بعد زيارتي لبلاد ما بين النهرين، أما قبل ذلك فقد كانت هذه المدينة المهمة بموقعها المركزي بين القبيلتين الكبيرتين عنزة وشمر منعزلة تماماً وكانت (أورفة) التي تقع على مسافة عدة أيام أقرب محطة تلغراف إلا انه لا يكفي ربط مدينة دير الزور بخط تلغراف مع مدينة حلب وحدها. بل يجب ربطها بنصيبين والموصل ايضاً. أما الخط الذي يمتد من بغداد في اتجاه أعالي الفرات فقد تم وضعه خصيصاً لمراقبة عنزة ولا يصل إلا في قلعة الرمادي ثم يجب إنشاء ثكنات عسكرية على غرار ما حدث في العهد العباسي من إنشاء خانات - جمع مفردة خان - كمحطات على طريق القوافل على امتداد خط التلغراف الذي سيصبح مسار تنقل، ولا بد كذلك من إنشاء مراكز عسكرية كبيرة بين المسافة والأخرى، ورغم أن البدوي سريع في ترحاله حتى عند ما تصحبه الزوجة والأطفال فان (البغّالة) وهم جنود دوريات يركبون البغال يفوقونه سرعة خاصة لأن القطعان الكبيرة من الأغنام والإبل تعرقل قدرة البدو على الحركة في ساعة الجد. وقد شكل الأتراك. في الحجاز وحدات من الهجانة - جنود يركبون الإبل - لأن الفرسان العاديين لا يصلحون للطرق الصحراوية هناك. وقد أحرز هذا الانجاز نجاحاً كبيراً كما وقد سبق أن استعمل الروم الطريقة نفسها فأنشأوا بحذق استراتيجي كبير مراكز عسكرية في سوريا وبلاد ما بين النهرين وأقاموا عليها الخيالة وخاصة الهجانة. وعرفوا بذلك كيف يراقبون البدو ويكبحون جماحهم. فإذا تسنى إدراك البدو في أي حين عن طريق خط التلغراف والوحدات العسكرية فان ذلك سيحملهم إما على الاستقرار أو على الأقل على العدول عن أعمال النهب والسلب والتحول إلى بدو مسالمين يمارسون تربية الماشية ويمكن عندئذ فرض الضرائب المنتظمة التي بدأت الحكومة منذ الآن بتحصيلها منهم، إلا أن الاستفادة منها لا تزال إلى اليوم موضع ريب واستفهام. أن البدوي يستحق - ولا شك - تعاطفنا ومساندتنا إلا أنه علينا ألا ننسى أنه يشكل عراقيل في سبيل الانتفاع بالموارد الطبيعية الوفيرة في شمال جزيرة العرب خصوصا ما بين النهرين وإذا لزم الأمر فلا بد من التضحية به في سبيل تطوير هذه البلدان التي لا تزال الاستفادة الاقتصادية منها في طور البداية. @ رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة