في عدد واحد من إحدى الصحف قرأت أربعة مقالات في مواضيع مختلفة .. كلها تستشهد على هذا النحو : (وتقول بعض الدراسات) ، و (في أحدث الدراسات) ، و (هناك العديد من الدراسات تؤكد ...) .. غير أن أيّاً من هؤلاء الكتاب لم يشر إلى الجهة التي نفذت الدراسة ومدى حصافتها البحثية ، ولا إلى الطيف الذي أجريت عليه الدراسة ، ولا إلى مكانها !! . وفي إحدى خطب الجمعة أحصيت ذات يوم ثلاثة مواضيع في خطبة واحدة أشار فيها الخطيب إلى دراسات غربية لم يحدد هويتها ولا المؤسسات التي أجرتها ليدعم وجهة نظره !. وكثيرا ما نجد مثل هذه الإشارة إلى الدراسات حتى للأسف في ملتقيات علمية لا تُعرف لها هوية .. إنما تأتي على لسان المحاضر على سبيل الاستشهاد لتعزيز ما يريد .. ما يثير الريبة حول هذه الدراسات المزعومة ومدى مصداقيتها أو حتى حقيقتها ، ولو كان لي من الأمر شيء للويتُ أذن كل من يشير إلى دراسة ما .. دون أن يبين الجهة التي نفذتها ، وشريحة البحث ، وحتى رابط أو وسيلة الوصول إليها على أنه متهم باستخدام شاهد زور لا تعرف شخصيته ! . لا أعرف إن كنتُ قد ارتكبتُ مثل هذه الحماقة ذات يوم ، لكنني إن كنتُ قد فعلت فأنا بالتأكيد أستحق ذات العقاب .. لأنني اكتشفتُ أن هذا الأسلوب إنما هو في بعض حالاته على الأقل .. وهو بعض ليس قليلا كما يبدو لي .. نوع من أنواع التضليل ، وتجهيل المتلقي ، ودفعه عنوة للتسليم بما لا يُمكن التسليم به .. فكلنا يعرف أن هنالك دراسات لا يمكن أن يعتدّ بها لأنها تفتقر لأبسط قواعد البحث العلمي ، أو أن الجهة التي أجرتها لا تمتلك أي موثوقية أو حيادية علمية ، هذا في حال التصديق بوجودها أصلا ، فكيف إذن هو الأمر حينما تستخدم هذه الإشارة للتمويه أو لتمرير رأي بائس أو قناعة لا نصيب ولا حظ لها من الحقيقة ؟ ألا يُعدّ هذا محاولة لاختطاف الرأي وتغليفه بشهادة زور غير معروفة المصدر بغية تمريره على الناس كحقيقة ، أو استغفالهم ؟ أحيانا أشعر بكثير من الخجل حينما أقرأ بعض التقارير والمقالات الأجنبية التي تنشر في اللوموند دبلوماتيك التي تصدرها الرياض شهريا على سبيل المثال ، ومدى حرص الكتاب على توثيق الدراسات التي يشيرون إليها في مقالاتهم وتقاريرهم ، بعضهم يذهب لما هو أبعد في ذكر بعض ما يرى أنه من معائب هذه الدراسة أو تلك ، في الوقت الذي نصر فيه نحن على تقمص دور السيدة (حذام) في المثل العربي الشهير : (إذا قالت حذام فصدقوها .. فإن القول ما قالت حذام) ! .