بعض أنماط السلوك عند قلة من الناس تربك فينا الحيرة وعدم القدرة على الفهم، ولونستلهم علوم الجبر والهندسة وبعض قواعد الفلك فلن يسد ذلك عجز الدماغ عن الفهم وتهاوي المنطق وعلم النفس وقواعد العادات والتقاليد أمام المعضلة.. ربما كنا إزاء بعض هذه السلوكيات بحاجة الى طبيب نفسي من نوع خاص وثقافة خاصة، ليس من أجل شفاء المريض بل من أجل ايجاد تحليل صحيح أو فهم مجتهد فحسب.. مثلا عندما تكون مقدما على مشروع ما، في مجال عملك أو للتجارة أو الزواج أو غيره، وترى أنك أوشكت أن تحرز هدفك، فجأة يأتيك دخيل ربما لا تعرفه، يعرض عليك خدماته القادرة والنافذة في هذا المجال، تشكره، وتعرفه أن الأمر لا يحتاج، فيرد : " إلا يحتاج ونص، والناس لبعضهم" فإن أمعنت في موقفك غضب وهاج وثار : " تستهين بي انت ؟ " ويقسم أنه اذا لم يتدخل في الأمر فالفشل مضمون، عند إذن تجد أن لا خلاص من هذا الدخيل الا بالسكوت. وتفاجأ أخيرا بأن الفرصة قد أفلتت، وأن الهدف قد ضاع، والمفاجأة الأشد ترويعا أن تعرف أن الدخيل الذي فرض نفسه عليك عنوة كان من أشد معارضيك وربما هو المعارض الوحيد.. هنا تبدأ التساؤلات التي عادة ما تستهل ب " لماذا " وتنتهي الى لا اجابة، فالرجل ليس خصما ولا عدوا ولا منافسا ولا صديقا ولا يسعى الى أي كسب شخصي أو مصلحة يغنمها فلأي الأسباب تدخل بهدف الفساد؟ أهو المعني ب " مناع للخير معتد أثيم " وهذا كل شيء؟ في حالات أخرى يكيل لك زميل في العمل بكل الأشكال ويتهمك بالقصور والكسل والغباء ربما، وبأنك لا تستحق نصف راتبك، كل هذا ليس طمعا في تمييزه في راتبه عنك أو استباقك في الترقي فهذا أمر لا يهمه، وإنما أمل في تقليص راتبك أو مكافآتك، وهو من البداية مدرك أن ما تنقصه أنت لن يضاف اليه هو، فان تحقق مسعاه ضاقت به الأرض فرحا.. من أجل أي شيء! في حالات مشاريع الزواج تبدو الحالة أكثر فداحة، يأتيك الدخيل ليفسد بالباطل كل مسعاك، ليس لأنه غريم يود الفوز بالعروس والنسب وانما فقط ليحقق لنفسه انتصارا قلما يجده بشكل ايجابي وفي أي اتجاه. كيف يمكننا أن نصف تلك الحالات أو نردها إلى شيء؟ هل نردها الى الجهل أو قلة الثقافة أم الغيرة أم الحقد الفطري أم التربية أم المرض، أو أن نركن إلى القناعة بأنها ليست الا "وسوسة الشيطان " وندعو له بالهداية.. وسوسة الشيطان نعرفها من بيت للمتنبي مثل " أفسدت بيننا المروءات عيناها " حين أغرى جمال العيون وسحرها من ذهب للاصلاح بينها وبين صديقه، أما دخلاء زماننا فيمارسون الشر من أجل الشر فحسب فيما يجعل وسوسة الشيطان بالمقارنة نوعا من العفة..