انتظر لحظة .. قبل أن تجيب دعني أخبرك بقصة كان جدي ، يرحمه الله ، يكررها مراراً : تقول القصة إن رجلاً بائساً اسمه " بدر " حل ببلدة جديدة ، وحين مرّ بمقبرتها وقف يقرأ الفاتحة على الأموات ، فلاحظ أنهم يتبعون " بدعة " وضع شواهد مكتوبة على القبور ، ولاحظ أن على كل شاهدة هناك كلمات تضاف إلى اسم صاحب القبر قرأ منها : " عاش يوماً واحداً " ، " عاش ثلاثة أيام " ، "عاش أسبوعاً " ، " عاش شهراً " ، فاستغرب بدر جداً مما قرأ ، وسأل رجلاً كان يمر بالقرب من المقبرة : " ما هذا الأمر العجيب ؟ هل من المعقول أن كل أموات بلدتكم قد ماتوا صغاراً في السن ؟ " . فأجابه الرجل " لا ، لم يموتوا صغاراً ، ولكن الكلمات المكتوبة على قبر الميت تدل على عدد أيام السعادة التي عاشها في حياته " ! سكت بدر ، وفكر قليلاً ، ثم قال للرجل : إذا مت عندكم فاكتبوا على قبري " بدر .. من بطن أمه للقبر " ! أجبني أنت الآن يا من تقرأ - تقرئين حروفي على سؤالي الاستفتاحي " هل أنت سعيد " ؟ وكم عدد أيام السعادة في حياتك ؟ إياك أن تقول إنك مثل صاحبنا – بدر – بطل القصة ، ذاك الذي لم يتذكر يوماً سعيداً في حياته من يوم نزل من بطن أمه ! بالتأكيد أن مفهوم السعادة يختلف من شخص لآخر ، وبالتأكيد أيضاً أن السعادة هي قيمة نسبية وليست قيمة مطلقة ، إذ لا يوجد من يقول إنه " سعيد " – بمطلق الكلمة – ثم يسكت ، والعكس صحيح . قد تكون سعيداً في حياتك الخاصة أو العائلية فقط ، وقد تكون سعيداً في عملك فقط ، أو سعيداً في صحتك فقط .. وهكذا . المهم في تعاملنا مع معيار السعادة ألا نعمم مشاعرنا السلبية بحيث تصبح هي الصفة ، ونتناسى مشاعرنا الطيبة أو نواريها ، أو نقلل من قيمتها . فكونك تشعر بالسعادة في ناحية من نواحي حياتك يستحق هذا الشعور أن يصبح هو السمة التي تصبغ حياتك وأفكارك ، مهما كانت نسبة البؤس التي تقابله في النواحي الأخرى ، فكر بكونك " سعيداً " أكثر مما تفكر بكونك " تعيساً " وسترى الأثر الإيجابي الذي سيجلبه هذا على حياتك كلها . واعلم .. أن بعض الناس هم مصدر سعادة لمن حولهم ، رغم أنهم في دواخلهم يعيشون قمة التعاسة والحزن والحرمان ، لكن تراهم يساعدون الآخرين ويسعون لقضاء حوائجهم ويجاهدون لبث الأمل في نفوس من حولهم بشتى الطرق وبمنتهى الأثرة والتضحية ! هذه الفئة وجدت السعادة بإسعاد من حولها ، بل أصبحت هي السعادة لمن حولها ، ولم تحبس نفسها في دائرة الأنانية الشخصية أو جلد الذات. السعادة أنواع ووسائل .. فتََفَكر في نفسك جيداً – الآن - قبل أن تجيبني : " هل أنت سعيد " ؟