من بين غيوم الفضاء الداكنة، هطل صوت «أم إبراهيم»، مساء تلك الجمعة، محملاً بأنات الرمال وآهات الغبار، هطل علينا، نحن الجالسين على طاولة برنامج الحوار التلفزيوني المباشر، مرتدين أحسن ثيابنا، وأجمل عطورنا، لنثرثر عن هموم الشباب القابعين على أرصفة العوز والحاجة والبطالة والفقر. بكل كبرياء النساء اللواتي يخبئن جراحهن في ظلام عذاباتهن، قالت بأنها بعد أوجاع الحياة، كل أوجاع الحياة، قدمت لبلادها ثلاثة فرسان، وأن كل واحد منهم خاض معارك لا تنتهي، لكي يظفر بنور يهديه لها. أهدى الفرسان الأشاوس ثلاثة قناديل لوالدتهم، قالوا لها: هذه يا سيدة معاركنا، غنائمنا، وهانحن ننثرها بين قدميك الطاهرتين، لكي تعرفي أنك نارنا التي تشتعل دوماً في قلوبنا وأرواحنا. حملت أم إبراهيم غنائم فرسانها، وراحت تغرس أعراس فرحها لدى كل من تعرفه، ومن لا تعرفه ، وصارت تقول لهم: - ها هي ورودي قد أينعت لكم، وهاهي ستمنحكم أريجها ورحيقها، ليعم العطر والشهد في ديارنا. من بين غيوم الفضاء الداكنة، هطل غبار أم إبراهيم حزيناً، لتقول لنا ولكل الذين كانوا يشاهدون هذا البرنامج الأنيق. - لقد ذبلت ورودي لقد تركتموها تذبل، لأنكم لم تعوا حجم المعارك التي خضتها بهم. ذبلت ورودي لأنكم مشغولون عنها بالكلام المزخرف الذي لا طعم ولا رائحة له. هطل حزن أم إبراهيم علينا، ليديننا ويدين كل حملاتنا وخططنا وقراراتنا، فنحن إذا أذبلنا ثلاث ورود لشجرة واحدة، فهذا يعني أننا سنذبل كل ما بقي من ورود يانعة ومتفرقة. إنني يا أم إبراهيم، لم أسمع تلك الليلة سواك، ولم أبك إلا لك، وسأظل أبكي.