السماء مرصعة بالنجوم هذا المساء، القمر يهدي ضياءه للعاشقين، ثمة غيمة تلي دعاء الربيع، قائلة إلهي إحم أزهاري ودعها تنشر عبقها، أدعية كثيرة يرددها أهورامازدا، متوسلاً الكلام أن ينتهي عند ضفاف هذا الألم، رحيق يعطّر توابل الخوف، وفراشة تتنهد قبل الغروب، فينثر النوروز بهاراً أصيلاً، يرتل «الحجحجيك» الرحيل، داعياً الحجل لبدء طقوس الربيع واحتفالية اليوم الجديد، النار تشتعل في قمة الأمل. ليالٍ طويلة عزفت سيمفونية الحجل التائه، الخوف المتراكم في عبرات الأيام، الأنين المختنق بقطرات المطر، لا تزال الليالي تبكي نجوماً سقطت من سماء الألم، الخفاش يلبس جوربه في عتمة كهف الأنين، النجوم ترقص مع القطا، والربيع يبحث عن يوم جديد، هكذا يبيعنا آذار توابله. آذار بهار، القادم إلى الشمال، الجزيرة المكتوبة بخط عريض في كتاب الأحزان، المطر الخائن لعشيقاته الورود والأزهار، سنبلة ثملة بصدى رصاص أخرق، وحده الشوك يملأ الهواء، والبلبل يغني لبهار جديد، على رغم أن البهار ظل حزيناً في كل ربيع. تتموج أنفاسه معطرة بدموع الأمل، آهاته تتقد في قلب «الحجحجيك»، البروين تنقل رسالة جديدة، تنادي حبيبي طال انتظار الوعد هيا نغني. آذار بهار، حياتنا لحظات صمت ترنو بحنين إلى غد أجمل، وألم ينتهي عند المغيب، كلماتنا حبات مطر، تنهمر من سماء ملبدة بغيوم ثملة، تتخللها أحرف صدئة، آهاتنا قطرات ندىً في ربيع جبلي، بيوتنا أسيرة تسعة وأربعين قيدٍ، ولكن على رغم ذلك، وكل ذلك، الفرح يمس شغاف قلوبنا، وبريق الفرح يلمع في عبراتنا الحزينة على رحيل عشرات الجبال، قطفها الصدأ، ولا تزال عبرات ثكالى توحل قبوراً كثيرة، وتسقط جدائلهن عليها مقطوعة، عبرات متساقطة كشلال جن فيه الماء. آذار بهار، خلف أمواتنا نسير تائهين، تخلى عنهم ملك الموت، وقال لقد نسيتكم، عيثوا في الكلستان فساداً، إنها لكم حتى تموت كل النجوم، صورهم انعكست على زجاج مهشم، مرآة خالية، إطار من دون صورة، لوحة من دون ألوان، قصيدة من دون كلمات، ياسمينة من دون عبير، الحياة عندهم توقفت منذ اثنين وخمسين خريفاً، الكل ينادي في الظلام، اسلك دربي إنني على صراط مستقيم، اسأل الله عنهم، لقد تاهوا في صحراء الحياة. آذار بهار، ورودك مزقت كل ألوان الكآبة، موسيقاك أحرقت كل أشكال الصمت، لقد أتلف الحزن كل أوراقه أمام دارك، وكتب «الحجحجيك» قصيدة جديدة، غنّ يا آذار، أعزف لحن الخلود والوجود، أعزف على قيثارة الأمل، إن الأمل يمزق كل كلمات الفشل، الأمل يحيي أرض السنابل والزيت والماء، الرسالة وصلت، والقصيدة يغنيها كوجري عاشق، ينتظر «بيريفانة» ترجع عند المغيب، وتقول تمزقت الخضاضة، واندلق الحليب.