لم يكن الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله رجلاً عادياً كأديب وشاعر وناقد.. أما لماذا فلأنه في زمن ظهوره كان ملفتاً فلم تكن هناك ثقافة بمعناه الحقيقي، لم تكن هناك استنارة ثقافية تعنى بالشعر والأدب والصحافة والإعلام بمعنى أنه لم يكن هناك جو ثقافي بالمفهوم المتعارف عليه.. ولذا كانت طلعته ندرة في زمنه ومهما خلف الشيخ من ارث ثقافي رائع.. فإن الروعة في واقع الأمر تكمن في بروزه، كأديب متفرد في زمن شحيح جداً بالأدباء والمبدعين والأكثر عجباً في شخصيته وما يدعو إلى التقدير والاكبار هو عصاميته وجلده فالشيخ من مواليد الدرعية وتعلم على يد والده الشيخ محمد بن خميس رحمه الله، حيث كان على حظ من العلم والمعرفة الدارجة في زمنه.. ولكن الشيخ عبدالله لم يكتف بذلك ولم يتوقف عنده. فقد كان طموحاً وثابا إلى التحصيل والنباهة تدفعه نفس جياشة نهمة إلى العلم والمعرفة. ولم يكن الأمر سهلاً ولم يكن الطريق يسيراً فقد كان شاقاً إلى أقصى حدود المشقة والمكابدة.. ولكن شخصية الشيخ الوثابة جعلته يتفوق ويهزم كل المعوقات، فلقد حفر طريقه في الصخر بأنامله التي لا شك أنها دميت كثيراً ولكنه في النهاية استطاع عبور الطريق الصعب فلاح كوكباً أدبياً متوهجاً. ولم يكن الشيخ يعتمد في تكثيف معارفه على ما تلقاه على مقاعد الدراسة في دار التوحيد أو كلية الشريعة التي أصبح مديراً لها فيما بعد لا بل كان نهماً في قراءته موهوباً في استلقاطه، كان سريع الحفظ واسع الادراك حتى تشكلت لديه خزانة أدبية وموسوعية عظيمة احتوت عليها ذاكرته، وكان الشيخ متحدثاً من الطراز اللافت وكان جريئاً في طرحه وفي شعره وفي القائه، وكان معتزاً بشخصيته معتزاً بثقافته معتزاً بدينه لا يتزحزح عن موقفه ولا يلين أو يتهاون بل كان صعب المراس قوي الشكيمة في الدفاع عن رأيه.. وهذا مما يزيد الاعجاب به.. ولعل كثيرين، يذكرون تلك المعارك الأدبية التي خاضها بجسارة وصلابة مع مناوئيه، وهذا لا يعني بالضرورة انه صاحب الحق دائماً ولكنه كان يعرف كيف يدافع عن رأيه وموقفه. والشيخ عبدالله صاحب أسلوب متميز، له ملامحه الخاصة ولونه الخاص الذي يميل إلى الجزالة والفخامة، وقد تشكل هذا الأسلوب بسبب قراءته وعمق دراسته ووعيه وحفظه لكم هائل من الأبيات والشواهد الشعرية والتي صنعت تلك اللغة الجزلة التي كان يؤصلها ويستحثها في كل ما يكتب بل انك تجدهاتجري على لسانه حينما يتحدث وهو إلى جانب رصانة الأسلوب وتدفق المعرفة قوي الذاكرة حاضر البديهة شديد الانتباه، كما ان لديه قدرة على توظيف المعرفة الثقافية، في ثنايا أحاديثه، أو ثنايا كتاباته. ومجمل القول ان الشيخ عبدالله كان نموذجاً متميزاً وعلامة فارقة في تاريخ ثقافتنا - وبالذات ثقافة المنطقة الوسطى - وفي اعلامها وصحافتها حيث كان المؤسس الأول لجريدة الجزيرة.. ومن ثم فإنه أحد الرواد المهمين في تاريخ الثقافة السعودية، رحم الله الشيخ عبدالله بن خميس وعزاؤنا إلى ابنته المبدعة أميمة.. وإلى كل أبنائه وأقاربه وذويه.. وإلى كل محبي حرفه، وتاريخه.