المعلومات الكمية، إحدى دلالات التواصل العلمي والفكري التي تربط العالم بأطرافه من خلال الإعلام السريع ووسائله. هي أيضا مؤشر للإنجاز الذي يدفع بالهيمنة الثقافية والتقنية لمن ينتجها ويتحكم فيها. من هذا تأتي المعلومات النوعية المتخصصة في إحدى المجالات الحيوية، وتأتي الطاقة في مقدمتها. لاشك أن البترول كأحد روافد الطاقة ومحركها العالمي، قد حظي باهتمام شديد من الناحيتين الكمية والنوعية في الإنتاج المعرفي، حيث قفزت دراساته وأبحاثه عشرات المرات في الخمسين سنة المنصرمة. ما ينشر من معلومات أقل بكثير من تلك التي لا تجد طريقها للنشر لأسباب متعددة. ولا شك أيضا أن الدول الصناعية المستهلكة تتقدم على الدول المصدرة في سبل جمع المعلومات بصفتها المنظمة والمنتظمة. هذه المعادلة غير المتكافئة لا تبرر تقاعس الدول الكبرى المعنية بالإنتاج والتصدير لتأسيس قنوات معلوماتية في الإطار المؤسساتي، مدنياً ورسمياً وإعلامياً. هي بهذا تتبع عقلية المستهلك الدائم للمعلومات وليس الخلاق لها والمؤثر فيها، ليتماثل ذلك وأهمية البترول ومشتقاته لمواقفها الدولية وصناعة قرارها. أمراً آخر، هو الاعتماد على معلومات إما متحيزة أو غير دقيقة لسلعة حيوية لا تحتمل العبث أو التضليل، مما يشكل أزمة معرفية في الخيارات والاستقراء. المتتبع لأسعار البترول، يجد أنها تاريخياً تتفاعل مع الظروف الاستثنائية ولم تعد مقيدة بعاملي العرض والطلب. الاتجاه السائد هو أن أسعار البترول كانت ولمدة طويلة إما ثابتة أو تميل إلى الانخفاض، أي أن الارتفاع المفاجىء يعامل على أنه وقتي يزول بزوال المسبب. لذا فتباين المعلومات واختلاف توقعات مقدميها، قلل من منظور الفترات طالت أو قصرت ،وأوجد عوامل خفية تقف خلفها مصالح وجماعات تسير البترول وتلغي خيارات منتجيه. ما بين عامي 1998م و 2005م ،ومن ثمانية دولارات للبرميل إلى ثمانية وخمسين دولاراً ،مرحلة مضنية من التقلبات في الرؤى والقرارات ،تخلت منظمة أوبك في السنة الماضية ،عن نطاقها السعري (22 - 28) ،الذي أقرته شهر مارس 2000م ،ليصل معدل سعر نفط أوبك 48دولاراً بداية هذا الشهر.مما أنذر بحدوث تضخم عالمي وارتفاع في مصروفات الاستهلاك، مع أن أغلب المحللين يتفقون على أن الاقتصاد العالمي يتحمل 40 دولاراً للبرميل. من هنا نرى أن الأسعار الحالية زادت مابين 30 - 50٪ عما كانت عليه السنة الماضية. تضارب التوقعات أوصلت السعر المستقبلي إلى 105 دولارات للبرميل وهو أكثر من التسعين دولاراً (السعر المعدل لعام 1981م) وهذا المؤشر الذي ينذر بحدوث تباطؤ حاد في النمو الدولي، قد يصعب تلافيه أو التغلب عليه. هذا يتعارض مع توقعات رئيس منظمة أوبك الذي يرغب في بقاء الأسعار مابين 45 55 دولاراً لبرميل برنت. هناك مثالان لا يساعدان على التهدئة، فبعد قرار أوبك في شهر مارس الماضي لزيادة الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يومياً (ونصف مليون آخر إذا اقتضت الحاجة) ليصل إلى 27,5ملايين برميل ،مع أن الإنتاج الفعلي يقرب من 29,5 ملايين برميل يومياً. أي أن هناك إمدادات نفطية مؤمنة ولا علاقة لها بارتفاع الأسعار، مع أن هذا يلغي أهمية القدرة الإنتاجية الفائضة والمناورة بها في حالة الطوارئ، وفي وقت لا تستطيع بعض الدول تغطية حصتها الإنتاجية المقررة. مثال آخر ،أن أسعار البترول اتجهت للزيادة رغم وفرة المخزون الأمريكي الهائل التي وصلت أعلاها منذ ست سنوات ،مع أن الارتفاع جغرافي حيث يخص الساحل الغربي وليس له علاقة مباشرة بمناطق أخرى ،كما أن المعروض هو في كمية النفط الخام الثقيل الذي لا يعد مصدراً جيداً لإنتاج البنزين وأهميته الفصلية. علاوة على أن الطاقة أجمالاً لم تعد بتلك القوة المؤثرة في الاقتصاد الأمريكي كما كانت عليه في نهاية الثمانينات.للمقارنة ففي عام 81م كانت تشكل 14٪ من إجمالي الدخل القومي، بينما هي 7٪ حالياً. تشير بعض الدراسات إلى أن العالم سيواجه أزمة إمدادات في عام 2007م، لأنه في نهاية عام 2005م سيصل الإنتاج العالمي إلى أقصاه، حيث أن القدرة الإنتاجية الفائضة هي الأقل منذ 30سنة. هناك أسباب منها أنه خلال تلك الفترة رفعت الدول المستهلكة فعاليتها وإنجازها تكنولوجيا مما زاد من قدرتها على استهلاك الطاقة ومصادرها المتنوعة. من عام 91م إلى عام 99م زاد الطلب على النفط تحديداً بمعدل مليون برميل يومياً، وفي عام 2004م زاد الطلب بمعدل 2,7ملايين برميل يومياً. أما في نهاية هذه السنة فقد يرتفع الطلب 1,8 ملايين برميل يومياً ليصل إلى 86مليون برميل يومياً، هذا بحد ذاته تحدياً لأي سقف في الأسعار أو الإنتاج على السواء. علاوة على أن الطلب العالمي على النفط سيقفز 50٪ في الخمسين سنة القادمة. هذا التطور شجع الدول الصناعية لانتهاج سياسة متماثلة للطاقة. دول الإتحاد الأوروبي تسعى إلى تناغم توجهاتها الاستهلاكية مع وكالة الطاقة الدولية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. الإتحاد والوكالة يعملان منذ سنتين لتبادل المعلومات وتحليلها، وتعمل الدول الأعضاء في زيادة استيرادها البترولي من خلال شراء كميات كبيرة من النفط تفوق الحاجة الفعلية إما للتخزين أو للتصدير. في اجتماع منظمة التعاون المنعقد في الثالث من مايو الماضي ،هناك خطط لزيادة الاستثمار في فعالية الاستهلاك وإيجاد بدائل للبترول ،لما يصل إلى 16 تريليون دولار خلال الخمسة وعشرين سنة المقبلة. الدول الصناعية كشفت عن ارتفاع في إحتياطاتها النفطية، حيث زاد الاحتياط الكندي من خمسة مليارات برميل عام 2000م إلى 180 مليار برميل عام 2005م. كما أن احتياط روسيا ارتفع إلى 200مليار برميل. أما الصين فتحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال اكتشافاتها البترولية، وكذلك اليابان التي تسعى جاهدةً إلى التنقيب في أماكن مختلفة من العالم. أي أن الأزمات الحادة قد لا تكون وشيكة. جاء اجتماع خبراء منظمة أوبك المنعقد في الدوحة (الثاني من مايو) ذو أهمية لتلك التطورات، والذي ناقش إنشاء معهد للبحوث والتطوير من شأنه إيجاد سبل حديثة لتحسين تكنولوجيا إنتاج البترول ومواجهة ضغوط وتحديات الصناعة النفطية جراء ارتفاع وتيرة البحث عن إحتياطات جديدة وكذلك بدائل للبترول مع ازدياد المنافسة من الدول المنتجة خارج أوبك.