في هذه الأيام يكمل مجلس التعاون الخليجي ثلاثين عاماً من مسيرته المباركة حيث تم تأسيس المجلس في 25 مايو عام 1981م، وتهدف الدول الست المكوّنة له وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعُمان إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين تلك المنظومة من الدول في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة والتي تنص على: * تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. * تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات. * وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين. لقد كانت المملكة وسوف تظل بيت العروبة الدافئ وحامية حمى الإسلام وبهما ومن خلالهما ومن خلال مجلس التعاون الخليجي تبذل كل جهد ممكن لتبديد غيوم الشر والعدوان من خلال الحوار وحسن الجوار، وبناء جسور الثقة وتقديم المصالح العامة على الخاصة وقد ترجمت بعض هذه التوجهات إلى واقع ملموس مثل الاتحاد الجمركي والنقدي والتملك والتنقل بالبطاقة الشخصية، والتعاون في جميع المجالات الأخرى التي تشمل النواحي الأمنية والعسكرية والتي تمثل قوة درع الجزيرة نواة لجيش خليجي موحد أثبت وجوده وفعاليته وأهميته أيام حرب تحرير الكويت، وكذلك خلال احداث الشغب الأخيرة في البحرين والتي كانت تقف خلفها وتحركها إفرازات التطرف الحاكم في طهران. نعم لقد ولد مجلس التعاون في ظروف استثنائية خلال الحرب العراقية - الإيرانية وشق طريقه وسط أمواج عاتية من الأزمات تمثلت في حرب احتلال الكويت ثم حرب تحريرها وبعد ذلك حصار العراق تمهيداً لاحتلاله عام (2003) والذي أدى إلى اختلال ميزان القوى في منطقة الخليج لصالح إيران التي اعتقدت خطأ ان هذا التفوق يتيح لها فرض هيمنتها على دول الخليج الأخرى ولذلك بدأت تدس أنفها في الشؤون الداخلية لتلك الدول وذلك مثل محاولة قلب نظام الحكم في البحرين، وتكوين شبكة تجسس في الكويت التي تم اكتشافها وغير ذلك مما لم يتم الكشف عنه ليس هذا وحسب بل إن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية في الخليج في طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى والعمل على طمس هويتها كما فعلت بمنطقة الأحواز العربية، والأدهى والأمرّ هو تعمد القيادة الإيرانية بناء مفاعل نووي في مدينة بوشهر على الخليج العربي مع علمها الأكيد ان تلك المنطقة منطقة زلازل ومعرفتها بقرب ذلك المكان من دول الخليج وما يسببه ذلك من قلق وتوجس لدى حكومات وشعوب تلك الدول.. ناهيك عما يسببه من تلويث للبيئة والمياه والتربة والهواء وما يجره ذلك من مخاطر صحية خصوصاً بعد مشاهدة ما جرى في اليابان من تسرب إشعاعي بسبب الزلازل والذي فاق ما حدث في محطة تشرنوبل الروسية بعشرات المرات.. نعم لقد أدركت دول الخليج أهمية اتحاد كلمتها في جميع المجالات وكذلك أهمية قوتها الأمنية والعسكرية، فلم يعد هناك بد من التلاحم فما حدث في البحرين لم يكن إلا مقدمة لما يمكن ان يحدث في بقية دول المجلس. وقد كان لموقف المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الحازم والجازم أثره الكبير في خنق المؤامرة لحظة ولادتها.. وقد جاء تصرفها مع بقية دول مجلس التعاون مطابقاً لقول الشاعر: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا وكذلك تحقيقاً للمثل القائل: «الصديق وقت الضيق» .. لقد أثبتت دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين ومهبط الوحي وحاملة لواء الإسلام والمنافح عن قضايا العروبة والمسلمين مادياً ومعنوياً في جميع المحافل والأصقاع جاهزيتها.. نعم يعتبر مجلس التعاون الخليجي أنجح أنواع التعاون العربي ويا حبذا لو استطاعت الجامعة العربية الرقي إلى مستوى أدائه من حيث التوجه والانجاز ولذلك أصبح الانضمام إليه حلماً يراود كل من ينشد التكامل والتعاون ولذلك طلب اليمن الانضمام إليه، واليوم أبدى الأردن رغبته ودعيت المغرب للانضمام إلى عضويته، وهذا بالطبع سوف يكون مكسباً لكل الأطراف، فالعمل العربي المشترك شبه معطل والأخطار تحيط بهذا العالم من كافة الجوانب حتى أصبح كالقش السريع الاشتعال إلا من بنى أسس حكمه على التوازن والاعتدال والاعتراف بالأخطاء، والعمل على إصلاحها ونبذ العنجهية والاستقطاب بين الحاكم والمحكوم والتي آتت أكلها عندما استخدمت الفضائيات التحريضية كل فزاعاتها للنيل من وحدة واستقرار هذه البلاد المباركة في محاولة لشق الصف بين الحاكم والشعب والتي أجاب عنها الشعب بكلمته الموحدة والمدوية «لا للفوضى» و«نعم للنظام». لقد كانت المملكة وسوف تظل بيت العروبة الدافئ وحامية حمى الإسلام وبهما ومن خلالهما ومن خلال مجلس التعاون الخليجي تبذل كل جهد ممكن لتبديد غيوم الشر والعدوان من خلال الحوار وحسن الجوار، وبناء جسور الثقة وتقديم المصالح العامة على الخاصة ولكن ليت الآخرين يعلمون ويقدرون تلك المواقف البناءة المبنية على منهج عدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام خصوصيتهم. إن الخلاف مع إيران لا يعني الخلاف مع الشعب الإيراني المسلم الذي نعلم علم اليقين انه لا يقر ما تقوم به حكومة أحمدي نجاد ومن يديرها من خلف الكواليس ومن أمامها، ولكن بسبب تمادي النظام الإيراني يتحتم على دول مجلس التعاون ككتلة سياسية واقتصادية بصورتها الجماعية أو بالصفة الفردية لكل منها عقد معاهدات تعاون عسكري وأمني واقتصادي مع الدول المحيطة بإيران مثل باكستان وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان ناهيك عن العمل على تقليص الدور الإيراني في العراق، ودعم ذلك بالقوة الذاتية المعززة بالدبلوماسية الهادئة مثل تلك التي تمارسها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -. نعم إن القمة التشاورية لقادة مجلس التعاون الخليجي في دورتها الثالثة عشرة والتي عقدت في الرياض يوم الثلاثاء (7/6/1432ه) تكتسب أهمية خاصة على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والدولي وذلك لأن الظروف التي تمر بها المنطقة بالغة الحساسية والتأثيرات المستقبلية والتداعيات المحتملة لهذا الهياج المتزامن والمستغل من قبل بعض القوى المتربصة. كلّ ذلك دعا قادة دول مجلس التعاون - حفظهم الله - إلى طرح التحديات الداخلية والاقليمية والدولية على طاولة البحث والعمل على الأخذ بالأولويات على المستوى الجماعي لمجلس التعاون وعلى المستوى الفردي لكل منها، وذلك تمهيداً لإعادة هيكلة المجلس ورفع كفاءته بما يتلاءم مع المستجدات والتحديات والمعطيات التي فرضها ويفرضها واقع الحال في المنطقة واستجابة للحراك الشامل الذي تشهده دول المجلس في مجال الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحل مشكلات التوظيف والبطالة والاسكان والتعليم والفقر والخدمات الصحية وغيرها. ناهيك عن التصدي للتدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي وغيرها مما أصبح مصدر قلق للجميع على المستوى الرسمي والشعبي. كما أن الأوضاع في اليمن وتداعياتها الداخلية والخارجية تحظى باهتمام خاص وهذا الاهتمام يأخذ بعين الاعتبار الأحداث التي شهدتها مصر وتونس وتشهدها ليبيا وسورية وأسباب وانعكاسات كل منها الآنية والمستقبلية. إن تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي بصورته الجماعية والفردية يتطلب التركيز على بناء القوة الذاتية الأمنية والعسكرية والسكانية ودعم ذلك ببناء اقتصاد معرفي يحمي مستقبلها من التقلبات السعرية للبترول الذي أصبح مهدَّداً ببروز مصادر الطاقة المتجددة وحتمية نضوبه على المدى المتوسط. أما الفراغ السكاني فإنه يحتاج إلى جهود حثيثة وأفكار إبداعية واستثمار في رأس المال البشري من حيث الكم والكيف وذلك انطلاقاً من مفهوم ان الكثافة السكانية العالية والواعية من أهم وسائل الردع ناهيك عن المقاومة. إن مجلس التعاون الخليجي أنموذج يمكن ان يحتذى على مستوى العالم العربي وذلك مثل أن يقوم مجلس التعاون للدول العربية المطلة على البحر الأحمر وتشمل المملكة العربية السعودية والأردن ومصر والسودان واليمن وجيبوتي والصومال كما يمكن ضم اريتريا إليه وهذا سوف يحدث نقلة نوعية للتكامل والتعاون بين تلك الدول كما أن عضوية المملكة في مجلس التعاون الخليجي ومجلس تعاون الدول العربية المطلة على البحر الأحمر يمكنها من التنسيق بين المجلسين. أما مجلس التعاون المغاربي والذي يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا فهو قائم ولكنه يحتاج إلى تفعيل.. بقي ان تنضم كل من العراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن في مجلس تعاون خاص بها وتصبح فيه الأردن منسقاً بين ذلك المجلس، ومجلس الدول المطلة على البحر الأحمر. وبذلك تصبح الجامعة العربية مكونة من أربعة مجالس تعاون يسهل التنسيق والتعاون والتكامل بينهما وهذا لا يمنع التعاون والتكامل والتنسيق الفردي فيما بين الدول الأعضاء في تلك المجالس كما أن إعادة هيكلة وتحديث الجامعة العربية وأنظمتها ومنظماتها بما يتلاءم مع واقع الحال أصبحت ضرورة ملحّة بل قصوى. وعلى أية حال فإن النجاح هو المحفز الرئيسي لبذل مزيد من التكاتف ومجلس التعاون الخليجي قد ذاق طعم النجاح أكثر من مرة لكن نجاحه في إنقاذ البحرين عما كان مخططا لها، له طعم خاص سوف تكون له انعكاساته الايجابية على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، وهنا لابد من التنويه مرة أخرى بشجاعة وبسالة وصرامة مواقف المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله - تجاه مساعدة الأشقاء في الوقت المناسب، وتحقيق مبدأ التعاون والتكامل على مستوى مجلس التعاون الخليجي بصورة واضحة وجلية.. والله المستعان.