قد لا يخفى على الكثيرين منا التاريخ المصاحب للثورة المعلوماتية في القرن العشرين ونشأة أعظم مخترع في عالم الاتصالات على مر العصور والأزمان «الانترنت»، والذي عن طريقه أصبحت الكرة الأرضية بالرغم من مساحتها الشاسعة وتباعد أطرافها واختلاف وتنوع ثقافات وعادات ساكنيها قرية صغير، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية ب Global Village، وهو مصطلح مركب استخدمه لأول مره الفيلسوف الكندي مارشل مكلهان في عام 1962م... الإنترنت بدأ كمشروع تبنته وزارة الدفاع في الولاياتالمتحدةالأمريكية لمساعدة الجيش الأمريكي للتواصل والتحكم بشبكات الحاسب الآلي عن بعد .. في حال تم تعطيل وسائل الاتصال المألوفة، من خلال هجوم نووي. وبعد ذلك تمت عملية تطوير الإنترنت في بلاد العم سام وكان في بداياته مقتصرا على الجانب الأكاديمي عن طريق ربط الجامعات والمكتبات فيما بينهم. ومن ثم انتشر بشكل مطرد ليصبح من أهم وسائل الاتصالات الحديثة ويشمل استخدامه جميع مجالات الحياة المتنوعة. ولكن قد يتبادر إلى أذهاننا هذا الانفجار المعلوماتي من خلال شبكة الويب (WWW) وتبادل الآلاف إن لم يكن الملايين من الرسائل والأخبار والأفكار بين المستخدمين عن طريق الإيميل أو مواقع الويب الاجتماعية والكم الهائل من المعلومات المتوفرة في الإنترنت من المتحكم فيها؟. وهل هناك شبكة أو كمبيوتر مركزي تتم من خلاله حفظ وتخزين جميع المعلومات وكذلك مراقبة جميع التعاملات الإلكترونية؟!! إلى وقت قريب مضى كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية هي المتحكم بالانترنت بشكل مطلق. وبالرغم من عدم وجود إدارة مركزية، وذلك من خلال شركاتها العملاقة المتخصصة في الحاسوبات والإنترنت وجميع متعلقاته وخدماته. وهذا ليس فيه غرابة خصوصا وأن الإنترنت هو مخترع أمريكي وكان في بداياته معمول به فقط في نطاق حدودها. ولكن بعد أن تم السماح لتصديره للعالم الخارجي ومن ثم انتشاره بشكل فاق جميع التصورات وما صاحب ذلك من هوس استخدامه من جميع أطياف البشر حتى غدا في الوقت الحالي الوسيلة الأولى للاتصالات يستفيد من خدماته الأفراد والمؤسسات والمنظمات الرسمية والمدنية على حد سواء. بدأت الدول الأخرى كالدول الأوروبية والصين وروسيا بالضغط للحصول على تحكم أكثر بالانترنت والإشراف على مدخلاته ومخرجاته والتعاملات اليومية المنفذة بواسطته. ولأجل ذلك بدأ يلوح في الأفق مؤشرات حرب باردة تتصارع فيه الأمم خصوصا المتقدمة للحصول على سلطة أكبر على ما يعرف ب Cyberspace، لأنه يبدو أنه من أهم أسلحة القرن الحادي والعشرين هو التسلح المعلوماتي. فالدولة التي لديها فرصة أكبر لتخزين المعلومات المتناقلة من خلال الشبكة العنكبوتية والاحتفاظ بها من دون غيرها وإدارة الجزء الأكبر من الإنترنت سيكون لها قوة عظمى تستطيع من خلاله قيادة ربان سفينة العالم والتحكم بشكل كبير في تسيير وتدبير شؤونه. ولكن يبقى السؤال الأهم ماهو دورنا من هذه الصراعات هل كالعادة نقف متفرجين ونصفق للمنتصر الأكبر أم سيكون لنا دور مختلف ونتزود بشكل أكبر بالمعرفة المعلوماتية؟!! *أستاذ القانون والدراسات الإسلامية، جامعة ويلز- بريطانيا باحث متخصص في قانون التعاملات الإلكترونية