لاأعرف لماذا يخطر على بالي كثيراً ذلك المشهد للممثل الكوميدي في إحدى المسرحيات التي عشت عليها طفولتي، وكونت ثقافتي الفنية وهو يقول:"أنا أرى، ومن وجهة نظري" بطريقة كاريكاتيرية مضحكة وهو يتقمص شخصية "مثقف ما قرأش حاجة أو " مفكر لا يفك الخط". لأنني - ومثلكم- اتعامل أحيانا مع شخصيات كرتونية مضحكة أكاد أحيانا أشك في أنها تتصرف بعقل أو منطق، لكنها بيني وبينكم مسلية. فمثلا قد يجلس بجانبك على مائدة العشاء أو في صالة المسافرين الذين ينتظرون كثيرا السيد "فاهم كل حاجة" والذي يحدثك عن الثورات العربية وما وراءها ومن خلفها، وعن الفرق بين ما يحدث في ليبيا، وما يحدث في سورية، وآخر أنواع فيروسات انفلونزا الصيف وعن سبب انتكاسة أسعار الفضة وعن أخبار العقار وعن عدد الحفريات في حارتكم، وعن أخبار مقاولات الباطن والظاهر وعن تفسير ما عصي عليك من قرارات مجلس الأمن، وما لا تعرفه في قواعد اللغة الفرنسية ومعادلات الحساب، والسيد "المطلع" لا يحتاج لكمّ كبير من المعرفة فهو يعتمد على الفهلوة.. وبيني وبينكم لكل إنسان الحق في أن يمتلك رأياً قبل أن يمتلك بيتا او حتى سيارة. لكن هل يمكن "للفهلوة" أن تصبح مسار حياة؟ وقبل أن نجيب إليكم الحكاية الظريفة؛ حين جلست صاحبتنا وزوجها في مقهى أثناء قضائهما الإجازة في دولة عربية مجاورة، طلب هو عصير "ليمون بالنعناع" وطلبت هي عصير "ليمون من غير نعناع" حضر كوبا العصير وفقط مع أحدهما "مصاصة بلاستيك ملونة " ليرتشف بها العصير، حين طالب الزوج ب "مصاصة" ثانية لأنه لا يحب أن يشرب من الكأس مباشرة، رد الجرسون قائلا : معليش أصل في كل بلاد العالم لا يشرب عصير الليمون بالنعناع بواسطة مصاصة بلاستيك!" ليرد الزوج" كله ليمون يا أخي، وأنا لفيت العالم كله لم أسمع بقانونك هذا". أترك لكم تخيل باقي الحوار السريالي بين الزوج والجرسون، وتخيل ماذا حدث لعصير الليمون بالنعناع؟، لكن الحكاية أصبحت حكاية طريفة يتداولها الزوجان ضاحكين. صاحبنا "الجرسون الفهلوي الذي استحمّ بكأس العصير" ليس وحيد زمانه، فحين تلتفت يمينا وشمالا تجد أمثاله كثيراً، فهناك الذي قُبل في كلية مرموقة رغم المعدل الضعيف ونتائج اختبارات القدرات المخزية بينما رميت أنت في قسم "الربع الخالي" ، وهناك الذي حصل على وظيفة قبل أن يجف حبر شهادة التخرج بينما انتظرت أنت ثلاث سنوات رغم أنف معدلك العالي ومرتبة الشرف كما أنك تستغرب بقاءهم بجانبك في العمل على نفس الدرجة ونفس المرتبة، رغم قلة الخبرة وعدم المعرفة أو الإلمام بأبسط قواعد العمل وعدم الاهتمام أصلا بالمهام المكلفين بها، لكنهم وبشيء من "الفهلوة" وبالقدرة على التواجد في المكان الصحيح في الوقت الصحيح يستطيعون أن يحققوا ما يريدون. هؤلاء رغم أنهم مسلون كثيرا إلا انهم يجعلونك احيانا تتوقف ويجعلونك تشك في قدراتك والتزامك وجهودك فوجودهم نفسه يصيبك بالخيبة. لكنك تنسى وتقول في داخلك "مشي حالك.... كله ليمون"!