إذا كان صحيحاً أن الهجرة إلى مدينة الرياض قد انخفضت في الآونة الأخيرة فهذا مؤشر جيد! إنه جيد للرياض وجيد أيضاً للمناطق التي انخفضت الهجرة منها. هو جيد للرياض لأن الزحام الشديد والضغط على الخدمات في الرياض وصلا إلى حد لا يطاق رغم النمو الهائل الذي يتحقق في الخدمات كل عام.. لكن هذه المساحة التي تتمدد وتحمل اسم الرياض هي في الواقع أكثر من رياض واحدة.. ويعرف أي شخص يسكن هذه المدينة المتنامية المتضخمة أنه بمجرد ان يغيب لبعض الوقت عن حي من أحيائها ثم يزوره مرة ثانية حتى يجد نفسه أمام معالم جديدة لم تكن موجودة من قبل. هذا النمو الهائل في مدينة الرياض يجعلنا نشعر بالزهو ونحن نرى عاصمة بلادنا تتحول إلى مدينة عظمى.. لكن المعاناة اليومية التي نتحملها بسبب الزحام الشديد، رغم سعة الشوارع ووجود طرق فسيحة «هاي ويز» على أحدث طراز، تجعلنا نتساءل عما يحمله المستقبل القريب من ضغوط بليغة على الخدمات التي تقدمها المدينة لسكانها. يبدو ان الرياض تدفع ثمن نجاحها.. فنمو المدينة وتقدمها جعلاها منطقة جذب من جميع أنحاء المملكة. وقد زادت الهجرة إليها زيادة كبيرة، فتحولت من مدينة يسكنها مئات الآلاف إلى «ميتر وبوليتان» يسكنها ملايين البشر! وفي المقابل فقدت المدن الصغيرة والقرى والأرياف بعضاً من سكانها الذين كانوا يمثلون عماد اقتصادها لصالح الرياض التي جذبتهم بوهج الفرص المعيشية والتعليمية والصحية والوظيفية المتوفرة فيها. لذلك فإن الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن انخفاض الهجرة إلى الرياض هي بشرى لأهل الرياض ولأهل المناطق الأخرى.. فالرياض المختلفة بزحمتها الشديدة تتوقع الآن ان يخف معدل تزايد هذه الزحمة.. أما المدن والمناطق التي انخفض تدفق سكانها إلى الرياض فهي، على ما يبدو، أصبح لديها المقومات التي تجعلها تحتفظ بسكانها. أي أنها تنمو، وان مشاريع التنمية بدأت تعطي ثمارها فيها. إن الإنسان يبحث دائماً عن الفرصة وهو قد يترك البقعة التي ولد فيها ونشأ وترعرع في ربوعها عندما يجد ان الواقع الذي يعيشه لا يلبي طموحاته. وقد كانت الرياضوجدة والمنطقة الشرقية تمثل أماكن الجذب مما أدى إلى زحف ملايين المواطنين إليها. وقد أشارت بعض وثائق خطط التنمية إلى هذه الحقيقة عندما ذكرت ان بعض القرى فقدت سكانها بالكامل بسبب الهجرة! ومنذ ذلك الوقت ارتفعت الأصوات التي تنادي بالتنمية المتوازنة.. أي تنمية جميع المناطق لكي لا يتكدس السكان في مناطق أو مدن محدودة مثلما حدث في بعض دول العالم الثالث التي تركزت مشاريع التنمية في مدنها الرئيسية فقط فغرقت في مشاكل الزحام والتلوث والبطالة. إن الرياض، المدينة الجميلة، تظل ذات جاذبية.. لكننا نتمنى ان تكون جاذبيتها سبباً لزيارتها في العطلات والمناسبات وقضاء الأعمال، لا الهجرة والاستقرار بما يفيض عن قدرتها على استيعاب المزيد من الملايين من البشر.. تكفي الزيادة السكانية الطبيعية: فهذا أفضل لها ولغيرها!