قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين). لاشك بأن العدل هو أساس الملك وأن أهم مبادئ العدل هي المساواة والكرامة ومكافحة الظلم والفساد وتحقيق الأمن والاستقرار. ولن ننسى مقولة رائد العدل وملك الاصلاح منذ سنوات "سأضرب بالعدل هامة الجور والظلم". وقد أصدر حفظه الله حزمة من عشرين قرارا ملكيا هي الدفعة الثانية بعد 13 أمرا ملكيا صدرت منذ أسابيع واستبشر المواطنون خيرا بها وعم الفرح والسرور أرجاء الوطن..حيث لامست الحاجات الفعلية لأطياف المجتمع، وكان ضمن تلك القرارات المباركة تأسيس هيئة مكافحة الفساد. ولأن الفساد بمختلف أشكاله ومستوياته ظاهرة عالمية تنتشر في كل دول العالم بلا استثناء ، لكن بدرجات متفاوتة، حيث تصل نسبة الفساد العالمي بحسب المصادر الدولية الى 16% من الناتج العالمي, والعبرة في مايحدث اليوم من مآس وفتن في بعض الدول المجاورة بسبب الفساد العام ..فما أكثر الأحداث التي تعصف بعالمنا المتغير سريعا..والتي تتطلب استخلاص العبر والدروس المستفادة، ومواكبة الزمن والمتغيرات والتطلع الى المستقبل بالعمل الجاد والتفاؤل والأمل. ونحمد الله تعالى على النعم التي افاء بها على بلادنا ونحن ننظر كيف يتخطف الناس من حولنا، فحري بنا أن نعمل يدا بيد مع حكومتنا الرشيدة بالوقوف بحزم أمام الفساد وتداعياته. لقد أسس خادم الحرمين الشريفين بهذه القرارات المباركة للأمن الانساني والأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، واحتفل الوطن بتدشين القائد لثقافة الاصلاح والمصداقية وأدخل في قاموس مفردات الوطن، النزاهة والشفافية وحقوق الانسان ليصبح المواطن جديرا بالثقة والاعتزاز بالنفس. إن إقرار هذه الهيئة الرقابية المهمة التي ترتبط مباشرة بخادم الحرمين الشريفين الذي يتبنى مشروعاً إصلاحياً طموحاً طال الكثير من المجالات التي تهم الإنسان أولاً ،وهي حلقة في سلسلة مشاريع الخير والتنمية الشاملة . وتهدف الهيئة الى الحد من تفشي الفساد الذي يتسبب في هدر الأموال وتعطيل المصالح وتأخر المشاريع التنموية، وكما هو معلوم، فإن الاعتراف بالمشكلة في الأساس هو البداية الحقيقية لحلها والحد منها مستقبلا إن شاء الله تعالى. هيئة مكافحة الفساد مؤسسة مهمة جداً، وقد جاءت في وقتها المناسب للمساعدة في تعزيز الشفافية وتحقيق العدالة والمساواة وللقضاء على جميع أشكال الفساد، فالعدالة والمساواة من أهم مبادئ حقوق الإنسان ويشكلان أهم متطلبات الاستقرار في أي بلد من بلدان العالم.. وهما صنوان متكاملان معهما يشعر الجميع بالعدالة الاجتماعية ويتحقق ذلك الشعور عند سن وتطبيق الأنظمة (فالتفعيل هو حجر الأساس في الأنظمة) التي تحافظ على حقوق الناس وتحميها وتكفل لهم أسباب الكرامة والحرية والعدل والمساواة والأمن الإنساني الشامل في جميع المجالات التي تحقق التنمية والعيش السوي. وقد وقعت المملكة على اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد، وهي قيد اجراءات التصديق عليها، وتعد ارضية عمل جاهزة، اضافة الى الانظمة والمراسيم الملكية التي تعالج وتكافح الفساد بكافة اشكاله. ولعل من حسن الطالع أن تصب قرارات وأوامر ولي الأمر في اجتثاث آفة الفساد والقضاء عليه، ويأتي دور المواطن والمجتمع في المساهمة، ليكون شريكا في تحقيق تطلعات ولي الأمر. مطلوب منا كأفراد وجماعات ومؤسسات، أن نعي تماماً أننا نعيش في عصر الألفية الثالثة وأن ندرك تماماً متطلبات هذا العصر لنحقق لمجتمعنا : حفظ الأمن والاستقرار والتنمية، خصوصا وقد أخذ الفساد أشكالا متعددة وألوانا مختلفة، وساعد على ظهوره تكنولوجيا الاتصال الحديثة فأصبح من الصعب التعرف على خصائصه وصوره ومكامنه، ويتطلب الأمر جهوداً منظمة وكفاءات متخصصة ومهارات وطرقا وأساليب ومشاركات مجتمعية من كل أطياف المجتمع للقضاء على أسبابه وأهدافه ومراحل تكوينه.. كما يتطلب الأمر تعاونا بين كل الجهات المعنية الرقابية والأمنية والمجتمعية في تنسيق جاد لتحقيق ليس الشراكة فقط بين تلك الجهات ولكن التكامل بين أعمالها ..فلا بد من التكامل والتعاون والتنسيق التام .. وحيث إن الفساد عالمي وعابر للحدود الجغرافية مايتطلب التعاون الدولي مع المنظمات والهيئات المتخصصة أمميا لاتخاذ الاجراءات اللازمة للوقاية والحد من الفساد بكافة أشكاله.. والأمر الأهم هو انتقاء العاملين وحسن اختيارهم ونزاهتهم، حيث إنهم جميعاً يشكلون حلقةً في سلسلة هذه القضية المهمة .والحلقة الضعيفة ستضعف قوة السلسلة انطلاقاً من الحكمة القائلة: "إن قوة السلسلة تساوي قوة أضعف حلقة فيها". لاشك أن الفساد الاداري والمالي هو العدو الأول للحق الانساني في التنمية والكرامة والعدالة والمساواة. لذا فإن الواجب الديني والوطني والإنساني يتطلب تضافر الجهود والعمل المشترك والتعاون والتنسيق الجاد والمخلص تجاه مكافحة الفساد للأسباب التالية: - مكافحة الفساد تحقق المنفعة العامة والعدالة الاجتماعية للجميع .مكافحة الفساد تؤدي الى دعم التنمية المستدامة بكافة مجالاتها. مكافحة الفساد من أهم مقومات الاصلاح والنزاهة والحكم الرشيد. مكافحة الفساد تحقق مبدأ المساواة والمشاركة وتكافؤ الفرص.مكافحة الفساد تعزز مفاهيم ومبادىء الشفافية والنزاهة. مكافحة الفساد من أهم مبادئ الجيل الثالث لحقوق الانسان. مكافحة الفساد من أهم مقومات الامن الانساني الشامل. مكافحة الفساد هي المدخل الرئيس لكسب ثقة الناس. مكافحة الفساد تضمن حسن الاداء وكفاءة العمل والسلامة من الغش والتجاوزات. مكافحة الفساد تحقق مبادئ التطوير الشامل ونمو الاقتصاد والبعد عن البيروقراطية. مكافحة الفساد تستجيب لتطلعات الناس في ضمان الحقوق والعدالة والمساواة. مكافحة الفساد هي صمام الأمان للاستقرار والشعور بالرضى والاطمئنان. مكافحة الفساد تعزز رصيد المملكة في المحافل الدولية UNDP . مكافحة الفساد تحقق الاهداف السامية النبيلة لولي الامر يحفظه الله. مكافحة الفساد بجميع أشكاله تتوافق مع تعاليم الشريعة الاسلامية السمحة. ختاما نسأل الله السداد لقيادتنا الحكيمة والتوفيق لهذه الهيئة ورئيسها لقطع دابر الفساد. حفظ الله البلاد والعباد من كل سوء وأدام علينا نعمتي الأمن والإيمان وأمد في عمر ولي الأمر ومتعه بالصحة والسلامة الدائمة,والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق والهادي الى سواء السبيل. * مستشار حقوقي