إن عطاءات المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام ، لا يتوقف لها نبض ، ولا ينضب لها معين ، ولم لا ؟ وهي التي تحتضن بكل إخلاص وشرف وتقدير واعتزاز ، أول بقعة تلقت وحي السماء بأولى آيات القرآن الكريم ، وتواصل اعتزازها بخدمة الحرمين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ، والعناية بالقرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه وأتاح للمملكة من الإمكانات المادية والروحية ما أسهمت به بسخاء في العناية بالقرآن من جوه عديدة . واتساقاً مع دور المملكة الرائد في خدمة الإسلام والمسلمين ، وأمام ازدياد حاجة العالم الإسلامي إلى المصحف الشريف وترجمة معانيه ، إلى مختلف اللغات التي يتحدث بها المسلمون ، والعناية بمختلف علومه ، ومعالجة لظهور أخطاء كثيرة في طبعات للمصحف الشريف ، نتيجة لأنها لم تحظ بالعناية الواجبة من التدقيق والضبط ، وقد يكون ذلك سهواً أو عمداً . إزاء ذلك استشعر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله ضرورة وجود منشأة علمية متخصصة مدعومة بأرقى الإمكانات العلمية والفنية ومتفرغة لذلك العمل الإسلامي الجليل ، وقد احتضن هذه الفكرة بمشاعره ، وحولها من مجرد أمل لاح بخاطره إلى واقع حقيقي وضع حجر أساسه في السادس عشر من محرم عام 1403ه / 1982م ، في المدينةالمنورة التي انطلقت منها دعوة الخير والبركة للعالم أجمع ، ولا يسعنا أمام ما قام به خادم الحرمين الشريفين ، الملك فهد بن عبدالعزبز يرحمه الله من إقامة مجمع طباعة القرآن الكريم ، إلا أن ندعوه بلقب (خادم كتاب الله ) ، دون تردد أو منافسة ، وفاءً وإصلاحاً ، ويعد إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينةالمنورة من أجلّ صور العناية العلمية بالقرآن الكريم ، حفظاً ، وطباعة وتوزيعاً على المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ، ويرى المسلمون أن المجمع من أبرز الصور المشرقة والمشرفة والتي تشهد على تمسك المملكة العربية السعودية بكتاب الله وسنة نبيه اعتقاداً وقولاً وتطبيقاً علمياً . وقد تولى المجمع طباعة القرآن الكريم وفق أسلوب يتميز بالدقة المتناهية والمراجعة العلمية الدقيقة ، لتشمل كل حرف وكل كلمة فيه ، وتنهض بتلك المراجعة اللجنة العلمية لمراجعة مصحف المدينة النبوية ، وفي المجمع ( إدارة الشؤون العلمية ) التي تضم لفيفا من الباحثين المتميزين المشهود لهم ، وأساتذة الجامعات ، وتعنى هذه الإدارة بتحقيق التراث الإسلامي المتصل بعلوم القرآن ، وتأليف الكتب العلمية الموثقة ، ويتبع هذه الإدارة مركز الترجمات الذي أنجز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أكثر من خمسين لغة . ومع جهود المجمع في سبيل أداء رسالته يعقد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينةالمنورة ( ملتقى لأشهر خطاطي المصحف الشريف في العلم ) بإذن الله خلال المدة من 22 28/5/1432ه وذلك برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الاهتمام بالخط العربي ، يعد من مظاهر العناية بالقرآن الكريم ، وبخاصة من ناحية كتابة المصحف الشريف والتفنن في نسخه بأنواع الخطوط وتذهيبه وزخرفته . وعلى الرغم من ظهور الطباعة وتطورها وانتشارها ، فإن الخط اليدوي ظل العمدة في كتابة المصاحف وانتشارها ، لما فيه من لمسات إبداعية وجمال متجدد ، لم تصل إليه حروف المطابع . وبسبب ظهور الحاسب الآلي وانتشار اللغات الأجنبية تعرض الخط العربي في العصر الحديث إلى تراجع ، وتماشياً مع الدور الرائد الذي يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وإدراكاً لأهمية الخط ، يعقد هذا الملتقى الذي يجمع أشهر خطاطي المصحف الشريف في العالم ، ويشارك فيه نخبة من الذين تشرفوا بكتابة المصحف . ولاشك أن الاهتمام بالخط وتدريسه ضرورة لرفع الكفاءة التعليمية ، وأثر ذلك لا ينكر في سهولة القراءة وتوفير الوقت والارتياح النفسي عند قراءة النص المكتوب بخط واضح وجميل ، كما أن الخط من الفنون الجميلة الراقية التي تنمي الذوق وترهف الإحساس بالجمال والتنسيق . أسال الله العلي القدير أن يوفق هذا الملتقى لتحقيق أهدافه وأن يبارك في تلك النفوس المخلصة التي سعت إلى إعداده والإسهام فيه . * وزير التعليم العالي