إذا كان الحوار بشكل عام يمثل أهمية عالية في بناء الشخصية الروائية فإن الحوار العاطفي واعني به الحوار الذي يمثل ويستنطق العلاقة العاطفية في الرواية هو الذي يمنح الأزمة العاطفية ملامحها . ولا يمكن تعميق هذا الحوار إلا عندما تكون تلك العلاقة قائمة على مأزق عاطفي وهذا المأزق الثنائي مفقود في الرواية السعودية فالغراميات المبثوثة في النصوص الروائية قائمة على مآزق اجتماعية ومحملة بالقضايا التي تتجاوز الأزمة العاطفية الخالصة .وكلما كان هناك تضاد بين الشخصيتين كلما حضر الحوار العاطفي المتقن .فليس بالوله ولا بزيادة منسوب الغرام ولا بضخ عبارات الحب يتألق هذا الحوار . في الرواية السعودية هناك خطفات جميلة لهذا الحوار العاطفي لكنه محدود . وهناك حوارات متكلفة لا تشبه الشخصيات ولا تعبر عن خصوصية المحلية التي تصبغ الحالة بملامحها وظروف تشكلها . وفي هذه القراءة نتأمل ملامح وخصوصية الحوار العاطفي في الرواية السعودية . ومن أبرز المظاهر التي تبرز للراصد أن الحوارات في الروايات النسائية أكثر ثراء من الروايات الذكورية ، وكذلك الرواية لدى جيل الشباب تتضمن حوارات أكثر من الروائيين والروائيات أصحاب الأعمار المتقدمة .وربما تفاعل الشباب مع المواقع الحوارية والمحادثات اسهمت في إثراء هذا الجانب لدى الجيل الشاب . في رواية جاهلية نجد المؤلفة ليلى الجهني أضاءت مأزق اللون في أكثر من حوار .. حتى أن الحوار العاطفي بين لين ومالك يصل إلى درجة التهكم والسخرية . لكن تلك الإضاءة غيبت الجوانب الأخرى من العلاقة . لذا فالساردة كانت تضع مأزق قضيتها الاجتماعية فوق المأزق العاطفي لأصحاب العلاقة في الرواية وهذا جعل الرواية تسير في بعدها الاجتماعي وليس العاطفي .. بينما في رواية القارورة نجد يوسف المحيميد يغفل أهمية الحوار بين الشخصيتين ( منيرة الساهي وعلي الدحال ) لذا لم نشهد حوارا عاطفيا صادما بينهما . فيما عدا بعض الحوارات القصيرة لا تعمق قضية الخداع . فكان من الضرورة إبراز ثيمة الخداع ليس بالوصف الخارجي الذي جاء بصوت البطلة حيث اكتفى المؤلف بالحوار لداخلي لمنيرة الساهي . محمد حسن علوان برغم أن روايات محمد حسن علوان تقدم نفسها على أنها روايات عاطفية خالصة إلا أنها فقيرة جدا في الحوار العاطفي وهذا يعود إلى ضعف السارد في توليد الحوار لذا فهو يعتمد على البوح وانثيال اللغة . وكذلك عبده خال نجده يسرب حالات عشق في رواياته لكن تلك الحالات تأتي في هيئة مكررة وبصوت عاشق مهزوم متلذذ بالآلام العشق ومواجعه . ولهذا نجد صورة الحبيبة غائبة وبالتالي يغيب الحوار العاطفي . أما عواض العصيمي فهو لا يتناول الحب كثيمة للعمل الروائي وان استحضر حالة عاطفية فهو لا يتولاها باهتمام ، فينشغل عنها بأبعاد أخرى في نصه ، ففي رواية المنهوبة وهي قائمة على فكرة الرجل العاشق لمنازل والذي يرسم تمثالاً لحبيبته من باب الشغف والولع المجنون ، لكن الحالة وبرغم فنتازياتها لا تجعل المؤلف يميل إلى فكرة الحوار العاطفي بين الشخصيتين . لذا جاءت المنهوبة خالية من ذلك البعد الرئيسي في الحكاية التي تأسس عليها النص . تبدو الحالة العاطفية في العلاقات الزوجية في الروايات السعودية محدودة الأثر . لأن رسم تلك العلاقات قائم على محور التنازع وعدم الانسجام . وبالتالي يغيب ذلك البعد العاطفي في حوار الشخصيات التي تقع علاقتهم الروائية تحت مظلة الزواج . وفي رواية بيت الطاعة لمنيرة السبيعي يرتهن الحوار بين شخصيتي إبراهيم ونوره لقضية خيانة الزوج . والروائية لم تحاول أن تلون في تلك الحوارات أو تنوعها بأطياف أخرى فجاءت الحوارات على شكل النموذج التالي ص 122: " نورة " ناداها هامسا ، وقد تأثر بعض الشيء من صمتها تجاه هجومه الحاد . " نعم ! " ردت بتنهيدة تغالب بها صوتها ، حتى لا يشعر بأنها كانت على وشك البكاء . " لا تعذبيني أكثر ، أرجوك ، أنا أحبك والله أحبك " . " كيف أعذبك وأنا التي تتعذب " أجابته كاتمة بكاءها قدر المستطاع . " اعتبري أنني أخطأت ، بل إنني – كما قلتِ ارتكبت خطيئة أليس في قلبك الطيب متسع للسماح ؟ " قالها متذللا وقد تغير مزاجه ، حيث بدا أكثر هدوءاً . لم تجبه ، بل بقيت صامتة ، فترامت إلى سمعها كلمات الأغنية " ما بقى لي قلب يشفع لك خطية ... ذّوبت الجراح صدك والخطايا " ... الخ . والحوار هنا يحمل صفة الواقعية ، كأي حالة مشابهة في الواقع . والمؤلفة لم تحاول الاتكاء على الخيال . لذا كان الحوار معبرا .وان كانت محاولاتها الوصف لأثر العبارات في الحوارات كقولها ردت بتنهيدة تغالب صوتها تقدم شرحا أضافيا للمشهد .وكأن ليس لديها ثقة بدلالة مفردات الحوار .كما أن الاستعانة بكلمات أغنية محمد عبده ما بقالي قلب كان مناسبا إلا تلك الاستعانة كانت مكررة في حوار سابق بين الشخصيتين . عواض العصيمي عندما لا يتوحد الروائي مع نصه ولا مع شخوصه يفشل في التوصل إلى الصوت الحقيقي لشخصيته .وهذا ما نجده في الحوار التالي من رواية الشميسي ص81 لتركي الحمد :( منذ أن رأيتك أول مرة أحسست أن هنالك شيئا غريبا يجذبني إليك .أحسست أنني أعرفك منذ دهور ، وأحسست أننا شيء كالقدر لا راد له ولا مانع ..سم هذا الإحساس ما شئت . ولكن هذا ما كنت أحس به .ثم ران صمت لا يقطعه إلا صوت الشفاه وهي تمتص الشاي . حتى قاطعته قائلة : لقد كان وجهك يوحي بكل ما أنا بحاجة إليه . البراءة والحب والحنان . وهذا ما كنت ابحث عنه دائما .) ففي الحوار السابق كانت شخصية سارة تتلقي بهشام العابر لأول مرة ، لكن عندما حاول الروائي تدوين لحظة البدايات فإنه يجعل من سارة المرأة البسيطة التي كانت تسكن حي شعبي تتحدث بلسان أكثر وعيا وأكثر رومانسية ، بل أنها تتحدث عن البراءة والحب والحنان عن شاب متلصص وعن شاب يطرق باب بيتها دون سابق معرفة . سطوة الأمكنة : الأمكنة تلقي بظلالها على الحوار، فالأمكنة الآمنة تسمح بالحوار الهادئ والطويل ، الأمكنة اللا مطمئنة تجعل الحوار قصيرا ، كما تتجلى أهمية المفردات المستخدمة في الحوار العاطفي بحسب الحالة والمكان . وفي الرواية السعودية نرصد تهجير الحب الى عواصم عربية وأجنبية وقد تكون لندن أكثر المدن حضورا كمدينة تحتضن الحالات العاطفية في السرد المحلي. وهنا نستعرض على ثلاثة نماذج من الحوارات العاطفية والتي كان مسرحها دول اوربية .وقد يكون العامل المشترك في تلك الحوار هو تجلي السارد في تخضيب الحوار بالمفردة الغرامية . وكذلك نشعر بهدوء الشخصيات في الحوار لأنها تعيش وضعا آمنا ، دون قلق ، دون خوف . ففي رواية" ظل قميص فارغ ".لسلمى الحقول . ص 88 يكون الحوار بين البطلة السعودية والشاب العراقي برتم هادئ .. وفيه تجادل غرامي له ملامح الأناقة وكذلك فيه الاتكاء على الإيحاء الجمالي في صياغة الغزل . واستثمرت الساردة مناسبة عيد الميلاد لتؤسس هذا الحوار : - تبدين أجمل كل يوم - توقعت أن أكون أنا من يكبر فيجيد المجاملة وليس أنت - سأبقى الأكبر مهما أكثرت من أعياد ميلادك - يبدو هذا اللون جميلا عليك - أردت أن أبهج عيدك بلون يشبه عمرك - هل يبدو عمري أخضر - هو كذلك - وعمرك أنت ؟ - محايدا - كيف تفسر هذا ؟ - لا تفسير له إنه شعور - هل تشرحه لي ؟ بينما في رواية ستر لرجاء عالم ص28 ، تنهل رجاء عالم كعادتها من عوالم السحر والجن لتوطنه في الحديث الغرامي الذي كان مكانه لندن بين شخصية مريم وبدر . وهو حوار ممتلئ بالتجاذب و بلغة الإيماءات . فهي لا تنسى حظها من اللغة التراثية والأسطرة لنقرأها وهي تستدعي شرب الأثر وإتباع خيال ساحرة . فالغزل مرتبط بذهنية الساردة أكثر مما هو معبر عن الشخصيتين : (هذه المرة أي سحر جاء بكِ إليَّ ) . (سحرك ) قالتها ضاحكة ، لكن النظرة في عينيه ارتعشت ، أخذت رشفة من كوبه / يُحب عادتها تلك في السطو على أشيائه ( أشرب من أثرك فأتبعك أينما ذهبت ، هذا ما تؤكده أمي ) . ( لو كان الأمر لي لما تركتك تذهبين أبدا ) . ( حقا جئت أبحث عنك ) ( نجحت حيث فشلتُ ، فارقتني لأتجول في المدينة أتبع خيالاَ لساحرة في وشاحها الأسود، سحرك أسود ..) . ( ليست المرة الأولى التي أخرجك مثل إبرة من كومة قش ) . ( عديني بألا تكون الأخيرة ، ورشفت من حيث رشفت....... أما عبدالعزيز الصقعبي وفي رواية حالة كذب ص 100 يستخدم الأسلوب المباشر في حوار منصور ومايا الذي حدث في كوبانهاغن ، وهو حوار مختصر لكنه يتناسب مع إيقاع الرواية ..وكذلك مع حجم النص . "ركبت بجانبها ، سمعت صوت مارسيل خليفة يغني ( أحدثكم عن أيمن ) - مشرقة أنتِ في هذا المساء - هذا غزل ؟ - بل واقع - في هذا المساء ستقابل الكثير من النساء الجميلات - أنت فقط .. وكل النساء لا شيء أما في عيون قذرة لقماشة العليان فهي تحمِّل الحوار بعداً أيدلوجياً - نأت عن الاستثمار العاطفي لتأخذ الحوار في اتجاه آخر .يتحدث عن الحرية وسطوة القوانين : قال لي روبير – ان صاحب المحل يقول لك انه مستعد لكتابة أي شيء ترغبين بكتابته أو رسمه باستثناء ما يمس صاحبة الجلالة الملكة ابتسمت وأنا أقول لروبير : هل هذه بلد الحرية التي يحكون عنها ؟ ضحك قائلا : إنها القوانين تحكمنا في كل مكان وزمان سواء في أوربا أو أمريكا أو في دول العالم الثالث. عبدالعزيز الصقعبي إبراهيم بادي في رواية حب في السعودية أنتج حوارا بمفردات تتناسب مع شخوصه ، بل نجد في حواراته العاطفية قدرة على توليد الجملة العاطفية الذكية ، لذا فهو يمزج بين اللغة الفصحى واللغة المحكية . لكنه مزج يمنح الحوار خصوصية لأصوات الشخصيات . ونلاحظ في المقطع التالي كيف جعل فاطمة تتحدث بنكهة الفتيات الجريئات في التعبير عن عواطفهن الساخطة . لكن هذا السخط لم يكن باستخدام الشتائم أو العبارات المتكلفة بل بمفردات انثوية معبأة بسلاطة اللسان، كقولها اتغنج، اتصقع، اتميع . وكلها جاءت كطلقات سريعة . لكن ما أن تنتهي من صراخها بالكلمات حتى تهدأ .. وتمنحه حالة رضا بقولها : أعرف أنك طيب . وفي هذا الحوار .. نكتشف مستوى العلاقة ، ونتعرف على الظنون التي تعتمل في صدر أيهاب . انه حوار متقن ومعبر تماما . سكتت برهة ، ثم صرخت : أنا غاوية ، أتقصع وأتميع وأتغنج.. وما أفعله أفعله مع غيرك ، ابحث عن فتاة بكرتونها ..ريّح بالك ، وريحني من النكد ) . تقول له في مثل هذه الحالات : أنت مولع بالنكد . مدمن عليه . لا تُفوّت شيئا إلاّ وتصنع من نكداً ) . لكنها تستدرك : أعرف أنك طيّب ، تنسى بسرعة ) . الحوار المتكلف أحيانا ينحاز السارد الى لغة مثقفة يتجاذبها أبطال نصه . لكن هذا الانحياز قد يدفعه إلى تبني حالة متكلفة في تقديم الحوار العاطفي ، حالة لا تناسب مع الموقف الدرامي . مما يفقد الحوار بعده الحميمي . وهذا ما نجده في رواية الآخرون لصبا الحرز ص 252 الذي قدمت هذه اللقطة الحوارية التي قد تكون تحمل نكهة اللغة لكنها في الجانب الآخر تقدم حالة الافتعال البارد : -أخبريني.. ما الذي فاتني؟ -أن تراكَ وأنت نائم. -حاجباي هكذا, وفمي هكذا.. وكان يعقف أصابعه فوق عينيه, ويمدّ شفتيه بطريقة مُضحكة -you are so good to be true! -أعجبتكِ؟ -يمكنني أن أطريك حتّى الغد, لكنكَ لن تُقيّم نفسكَ تبعاً لرأيي. -لا تعاودي الحذلقة.. -تعرفُ أنّك أعجبتني! -ومازلتِ تحبيني؟ -لا.. أحبّكَ أكثر! -ما الذي لم يعجبكِ؟, لا تستغفليني وتقولي: لا شيء! لن أصدقكِ! -عليكَ أن تدعني أجربكَ ثانية لأحكم. حوار المثقف : رواية عيون الثعالب لليلى الأحيدب حفلت بمساحة كبيرة من الحوارات سواء كانت في الشأن العاطفي أو في علاقات إبطال الرواية في الشأن الثقافي . لكن تظل حوارات مريم وعلي هي الأكثر اهتماما من الساردة . لكن تلك الحوارات وبرغم كثرتها ، إلا أنها كانت تأتي في اتجاه واحد . لأنها تروى بوجهة نظر مريم ، لذا يجيء صوتها في الحوار هو المتسيد ، وأيضا هو من يدير وجهة الحوار نحو البوصلة المفضلة لديها ، كذلك هناك ارتباك في دلالات الحوار . وهذا ما نجده في الحوار التالي ص98 . الذي نجد شخصية "علي " و بصوت ضعيف يتحدث عن ما يريده من العلاقة ، لكنه يستخدم عبارات تؤدي إلى معان ملتبسة ، كحديثه عن عدم رغبة التسلي وعدم التزامه. وكذلك مريم فهي واقعة تحت التباس الفصل بين محبة الفنان والرجل . وهذا الالتباس يقودنا إلى أن هناك فراغا أو مسافة بين الشخصيتين لم تستطع الساردة ملأها . لكن ما يلاحظ أن الحوار مخضب بلغة المثقفين المتكلفة وهو في تصوري مناسب لرتم الحوار بحيث هيمنة المرجعية الثقافية ، لذا فسنجد تضمين الحوار لمفردة النص ، النثرية . وهذه اللغة مبررة لأنها تأتي ضمن سياق الإبداع الذي يتعاطاه الاثنان . لكن نلاحظ الحوار تم في شقة علي ومع هذا نجده يصف مريم بأنها فتاة محافظة .. وسنجد أيضا أن مريم تدعم رأيه بقولها وسأظل . ليلى الجهني - لا تعتقدي أنني أتسلى بك ، أنا فقط لا أريدك أن تتوقعي مني أي التزام بهذه العلاقة. لنكن واضحين منذ البدء، وصدقيني أنت رائعة ومميزة ومختلفة عن كل النساء اللاتي عرفتهن ، أنتِ بدأتِ في صنع اسم جميل لك وتوغلك معي قد يسيء إليك ، أرجوك أخرجيني من النص . - لكن إذا أخرجتك من النص فلن يكون هناك نص على الإطلاق - وجودي في النص قد يلغي بقية النصوص المناسبة - أرجوك لا تكن نثرياً معي - و إذا كنت نثرياً ؟ - ستكون عاديا وأنت لست كذلك - وأنا أريد شيئا من نثريتك، كوني هذه المرة نثرية معي ، أنا لا أصلح لك - ومن قال لك أنني أريد أن أتزوجك - لا أحد - أو أنني احبك كرجل - كفنان إذن - ربما لكنك لم تتركني احتفل بك وأفسدت مسائي بنثريتك - أنا افرح بك . فرح أكثر مما تتوقعين . وأريد أن احتفل بك على طريقتي لكنك فتاة محافظة ! - وسأظل رجاء عالم