شملت حزمة القرارات الملكية المباركة التي صدرت مؤخرا سائر شرائح المجتمع، ولبت الكثير من حاجات المواطنين، ولامست هموم الموظفين والعاطلين، وعالجت العديد من مشكلات التنمية، وأمدت قطاعات عريضة من الأجهزة الحكومية والخدمية المهمة بالدعم الوفير، ورفدت بعض صناديق التنمية بزيادة رؤوس أموالها، وإعفاء مقترضيها من بعض الأقساط ، غير أن ثمة فئة من المواطنين مايزال الأمل يحدوها لإنهاء معاناتها المزمنة، ألا وهي فئة المزارعين الأفراد الذين ليس لهم دخل معيشي سوى مزارعهم، و هذا الدخل الوحيد المحدود يذهب أغلبه في سداد أقساط القروض الزراعية التي أرهقت كواهلهم، وما تبقى منه يستنزفه تضخم تكاليف الزراعة الباهظة من زيادة أسعار الأسمدة والمحروقات، وارتفاع تكلفة صيانة المعدات، ومعالجة فساد التربة وشح المياه ، ناهيك بما يعانونه من منافسة غير متكافئة بينهم وبين الشركات الزراعية التي تمنح الامتيازات، وما يعيشونه من إغراق للسوق بالمنتجات الزراعية المستوردة، وما يقدم لمحاصيل قمحهم من ثمن بخس عند شرائه من قبل صوامع الغلال مقارنة بالسعر العالمي. إن هؤلاء المزارعين الأفراد هم ضحايا لضبابية إستراتيجية التنمية الزراعية في بلادنا وتقلبها خلال العقود الماضية، إذ أغرتهم قبل سنوات بمستقبل الزراعة في بلادنا، وشجعتهم على الاقتراض من صندوق التنمية الزراعية، حتى انكبوا على اقتراض المعدات والتجهيزات، ودفعوا كل ما يملكون لشراء الأراضي وتجهيز المشروعات، وبعد أن تحملوا لأجل ذلك الديون الكثيرة ، تغيرت فجأة تلك الإستراتيجية الزراعية إلى المحافظة على المياه الجوفية، فاتجهت إلى خنق نشاطهم عبر تقليص زراعة القمح وتخفيض سعره وإيقاف شرائه تدريجيا، حتى لكأن هذا المحصول هو أكثر المحصولات الزراعية استهلاكا للمياه ، فتخلى عنهم صندوق التنمية الزراعية، وأدارت وزارة الزراعة ظهرها لهم ، حتى أحاطت بمزارعهم الخسائر، وأصبح كل صاحب مزرعة يقلب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها لم يحصد منها إلا الديون والفقر، ولم يجن منها إلا الشقاء والندم. إن هؤلاء المزارعين لفي حاجة بالغة إلى لفتة كريمة من لدن حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - ، تعالج أوضاعهم ، وتنهي معاناتهم ، وذلك من خلال إعفائهم من أقساط قروض صندوق التنمية الزراعية، وتعويضهم عن الخسائر المترتبة على تطبيق قرار وقف شراء القمح الصادر من مجلس الوزراء، لاسيما أن من ضمن بنود ذلك القرار ما ينص على تعويض المزارعين المتضررين من تطبيقه، غير أن هذا الجزء من القرار لم يفعّل، وظل حبيس الأدراج لدى اللجان المختصة بتنفيذه. *وادي الدواسر