فرقة «ريو دي جانيرو» تنظف أشهر مدينة صفيح بالعالم من السلاح والمخدرات.. وتنتزعها من أيدي رجال العصابات كانت ليوناردو بينتو يتوق للثأر منذ أن قتل شرطي شقيقه منذ خمس سنوات. وعندما علم أن قوة "شرطة السلام" الجديدة في مدينة الصفيح بريو دي جانيرو تقدم دروسا مجانية في الكاراتيه، التحق بينتو بها بأمل أن يتمكن في النهاية من تلقين المدرب علقة ساخنة. غير أن الرياح أتت بما لم تشته سفنه. فقد تغلب عليه مدرب الشرطة ادواردو دا سيلفا بالدعابة والمصافحة باليد، الأمر الذي جعل بينتو، البالغ من العمر 22 عاما، يقول،"بدأت أدرك أن الشرطي الماثل إمامي إنسان وليس وحشا كاسرا كما كنت اعتقد". والواقع أن جليد الكراهية وعدم الثقة الذي تراكم على مدى سنوات بدأ يذوب في هذا الحي الذي يعد واحدا من أكثر مدن الأكواخ عنفا في ريو دي جانيرو. وفي مسعى لتبديد المخاوف الأمنية استعدادا لظهورها على المسرح العالمي مرتين في عام 2014 بمناسبة كأس العالم ثم في عام 2016 حيث ستقام الألعاب الاوليمبية، فقد وضعت السلطات في ريو دي جانيرو خطة طموحة لانتزاع الهيمنة على مدن الصفيح "الفافيلا" من عصابات المخدرات التي لا ترحم والتي أحكمت سيطرتها عليها طوال سنوات بالبنادق والترهيب. وتشكل قوة شرطة السلام ركيزة ذلك الجهد، حيث ينتشرون في الحي بعد أن تقوم الشرطة العسكرية بتنظيف الشوارع من رجالات العصابات في معارك قد تستمر لأسابيع. وتضطلع هذه القوة بمهمة ذات شقين: القيام بأعباء الشرطة التقليدية من جهة، وتقديم الخدمات الاجتماعية من جهة أخرى. ويكرس هؤلاء الرجال أنفسهم لكسب ثقة السكان الذين قذفت عقود من العنف الرعب في قلوبهم- بعضه بفعل الشرطة. ويقول أفراد القوة إن الإخباريات التي يتلقونها من قبل السكان الذين يدعمون جهودهم تعينهم على تحقيق السلام النسبي في المنطقة. فرقة «ريو دي جانيرو» تنظف أشهر مدينة صفيح بالعالم من السلاح والمخدرات.. وتنتزعها من أيدي رجال العصابات وعلى مدى سنوات، ظلت المدينة التي تم تجسيد العنف الدامي فيها في فيلم City of God واحدة من أكثر الأحياء المخيفة في المدينة إلى حد أن الشرطة نفسها كانت نادرا ما تجرؤ على الدخول إليها. ويبدو أن هذه الأيام قد ولت. فقد اختفى رجال العصابات، المسلحون بالبنادق، من الشوارع التي بات يحرسها الشباب المحليون. وصار الأطفال يلعبون في الشوارع بلا خوف من الأعيرة النارية الطائشة. وأصبحت مباريات كرة القدم التي اتسمت في السابق بالعنف أكثر تحضرا، حيث يشارك بعض رجال الشرطة فيها. ولكن رغم مرور حوالي عامين على وصول وحدة الشرطة، ما زال العديد من سكان هذا الحي الذي يأوي 120 ألف نسمة يكابدون لتقبل أن الفرقة التي تضم 315 شرطيا يعملون في مناوبتين مدة كل منها 12 ساعة لم يعودا أعداء لهم. ويرحب آخرون بالهدوء الذي عم مدينتهم ولكن بقليل من الثقة خوفا من أن تغادرهم الفرقة عقب انتهاء الألعاب الاولمبية. دا سيلفا يدرب الأطفال على الكاراتيه ويقول الضابط لويس بيزارو، لا احد يرحب بنا هنا. الأمر قد يكون محبطا أحيانا". ويتولى بيزارو ومعه رجلان تحت إمرته الحراسة على طول نهر ضيق تكاد النفايات تسد مجراه بينما الحيوانات والبشر يقضون حاجتهم على ضفتيه. وتتحلق العائلات في الأمسيات حول نيران يصطلون بها ويبددون بها حلكة الظلام وهناك على مقربة منهم نساء يرقصن السامبا. ولا احد يرفع يده بالتحية لرجل الشرطة وهم يتجولون بين الأزقة الضيقة التي تتناثر فيها أوراق بعدة ألوان تستخدم في تغليف المخدرات. وليس من الصعب فهم سر هذا العداء. فقد ظل المسؤولون الحكوميون يرفضون منذ عقود الاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه مدن الصفيح. وبقيام العصابات ببناء ترسانات من الأسلحة، بات متعذرا على رجال الشرطة الدخول بدون قتال مسلح. ويلوم السكان الشرطة على تخليها عنهم وعلى الوحشية التي اتسمت بها غاراتهم. وبدون التواجد اليومي للشرطة فان الخدمات في المدينة تتعطل تماما ،بينما بدأ الأطباء وأصحاب المهن الأخرى في المغادرة لأسباب تتعلق بسلامتهم. وأصبح رجال العصابات هم الخصم والحكم. وعلى الرغم من تحديات العنف الماثلة، فان العديد من سكان ريو دي جانيرو يتعاطفون مع البرنامج. ونادى سياسيون متنفذون بتوسيع التجربة لتشمل مدنا أخرى. وبدأت التبرعات بملايين الدولارات من كبريات الشركات والمليونيرات تتدفق لتجهيز الشرطة بالعدة والعتاد. ويقول خوزيه ماريانو بلتريم المسؤول عن الأمن في ريو دي جانيرو، إن هدفه الأسمى يتمثل في تنظيف الشوارع من الأسلحة ليأتي القضاء على تجارة المخدرات لاحقا. كما يعمل على الحد من فساد الشرطة. مشهد لأحد شوارع المدينة ومن الواضح أن وجود الشرطة عمل على تغيير الحياة نحو الأفضل في المدينة . فقد ارتفع معدل الانتظام بالدراسة. وبينما تعمل الجرارات العملاقة على تنظيف مجرى النهر من تلال النفايات ، بدأت شاحنات البلدية في تفريغ صناديق القمامة بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع. في غضون ذلك انخفض معدل الجريمة بصورة ملحوظة.. كانت عصابات الجريمة تقيم حفلات صاخبة لتجنيد المروجين. والآن تسيطر الشرطة على تلك الحفلات وتحد من تعاطي الخمور وتمنع الأغنيات التي تمجد عصابات المخدرات. ويقول النقيب خوزيه بويز دي ميديروس، الذي يقود وحدة الشرطة في المدينة انه يقوم ببناء قوة طويلة الأمد ويعمل على الفوز بثقة السكان. وقام حوالي 12 من رجاله مؤخرا بزيارة مركزا لحضانة الأطفال الرضع . وبينما كان الرجال يداعبون الأطفال كان هؤلاء يلعبون بأجهزة اللاسلكي التابعة للرجال ويحبون بين أرجلهم ويلمسون مسدساتهم المخفية في أجربتها. وتم إعفاء بعض رجال أفراد الوحدة من مهامهم الشرطية وانيطت بهم مهمة إعطاء السكان دروسا في العزف على الجيتار والبيانو واللغة الانجليزية.ومن بين هؤلاء مدرب الكاراتيه دا سيلفا الذي تم تفريغه تماما لهذه المهمة. ويقول بينتو الذي التحق بدورة تدريبية في الكاراتيه بعد مقتل شقيقه، انه فكر في العمل مكهرب مخدرات ليتسنى له حيازة أسلحة. ولكنه غير رأيه منذ أن التقى الضابط دا سيلفا وهو يعمل الآن على مساعدة السكان على تبديد خوفهم من الشرطة. ويقول الضابط دا سيلفا انه يتفهم مخاوف السكان ويقول،" من الصعب عليهم نسيان الماضي. وكل ما استطيع أن افعله هو أن انفتح عليهم". وللتأكيد على هذا، يتردد دا سيلفا على المدينة بلا سترة واقية من الرصاص ويقول،" العنف لا يحقق السلام. صحيح انه قد يولد الاحترام ولكن ليس الثقة". شرطيان في جولة أمنية