يترقب اللبنانيون منذ شهرين ونصف الشهر الاعلان عن ولادة حكومة جديدة، يرى خبراء انها تتأخر بانتظار اتضاح الصورة الكاملة للتطورات في منطقة الشرق الاوسط المشغولة بحركات الاحتجاج في بعض دولها. ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس ان "لعبة توزيع الحصص في لبنان غالبا ما تعرقل تشكيل الحكومات، خصوصا وان الفرص السياسية قليلة مقارنة مع اعداد الطامحين اليها". ويضيف "غير انه ليس هناك من شك بأن تأخر ولادة الحكومة حاليا مرتبط، الى جانب العراقيل التي تفرضها لعبة المحاصصة بالوضع الاقليمي وبترقب ما سيحدث". ويتابع خشان "المنطقة متوترة جدا حاليا حيث يغلب عليها الترقب والحذر، لذا فالوضع في لبنان دخل تلقائيا مرحلة الانتظار". ومنذ تكليفه في 25 كانون الثاني/يناير اثر سقوط حكومة سعد الحريري، يخوض نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء السابق ورجل الاعمال الثري، مفاوضات شاقة مع الاطراف السياسية تستهدف الاتفاق حول صيغة الحكومة المقبلة وتوزيع الادوار فيها. وكانت القوى السياسية التي سمت ميقاتي لتأليف الحكومة، وابرزها حزب الله والتيار الوطني الحر، توقعت في البداية ان تولد الحكومة في غضون اسبوع او اسابيع قليلة، على اعتبار ان الفريق الذي يدعمها يملك اليد العليا فيها بعد رفض فريق رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الانضمام اليها. ويرى الكاتب والباحث رغيد الصلح ان تشكيل الحكومة في لبنان "يحتاج عمليا الى اتفاق بين العواصم العربية والدولية". ويشير الى ان "الاتفاقات الخارجية حول لبنان غالبا ما تتعامل مع ادق التفاصيل، كما شهدنا في اتفاق الدوحة مثلا"، الذي انهى عام 2008 ازمة سياسية محتدمة وحدد شكل الحكومة التي شكلت فيما بعد ووزع الادوار فيها. الا ان تكليف ميقاتي تزامن مع انطلاق حركات احتجاجية في المنطقة للمطالبة بالاصلاح السياسي والاجتماعي، امتدت من المغرب العربي الى الخليج، وشملت تونس ومصر والجزائر وليبيا واليمن والبحرين وسورية. وتمكنت هذه الحركة من اسقاط نظامي الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، فيما دفعت نحو تظاهرات غير مسبوقة مؤيدة للاصلاح في سورية، جارة لبنان. ويقول خشان ان "ميزان القوى في المنطقة يتحكم بالتوزان السياسي في لبنان". ويوضح "بما ان التوازن الاقليمي مخلخل، وهناك ترقب لما سيؤول اليه، اذا فالوضع غير مستقر في لبنان لانه من غير المعلوم بعد كيف ستتبلور المنطقة سياسيا". وتلعب سورية دورا مهما في الحياة السياسية اللبنانية، رغم انسحابها العسكري منه اثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، بعد حوالي ثلاثين سنة من التواجد العسكري فيه. ولسورية حلفاء اقوياء في لبنان على رأسهم حزب الله، القوة العسكرية المسلحة الى جانب الدولة، والذي يخوض مواجهة سياسية محتدمة مع فريق رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري. ومن هذا المنطلق، يتابع اللبنانيون عن كثب تطورات الحركة الاحتجاجية في سورية المتواصلة منذ حوالي ثلاثة اسابيع، وتداعياتها المحتملة على الوضع في بلدهم. ويرى خشان ان "سورية غائبة حاليا عن لبنان، بمعنى انها غير مكترثة كثيرا لما يحدث في موضوع الحكومة". ويتابع ان "المنطقة كلها غائبة بكاملها عن لبنان، ما يفيد بان الصراع المحلي على اشده". والى جانب سورية، تمارس السعودية نفوذا سياسيا في لبنان، يستند الى القاعدة السنية التي يمثل سعد الحريري احد ابرز اركانها. ويعتبر خشان من جهته ان دول الخليج العربية "حسمت امرها بالدخول في مواجهة مع ايران في البحرين" من خلال قرارها ارسال قوات الى هناك. ويشير خشان بذلك الى مساندة ايران للمعارضة الشيعية في الممكلة الخليجية التي تسكنها غالبية شيعية وتحكمها اسرة آل خليفة السنية منذ حوالي 200 عام. ويتابع ان "المفتاح في لبنان بيد سورية، حلفية ايران، التي تبدو وكأنها تنتظر ما ستؤول اليه المواجهة بين دول الخليج وطهران" التي تدعم حزب الله. ويرى ان نتائج المواجهة الخليجية الايرانية "قد تتطلب، تماشيا مع ميزان القوى الاقليمي، ان يعود الحريري الى رئاسة الحكومة"، بدل ميقاتي. ويقول خشان "الزلازل السياسية في لبنان على كل حال، تحدث من دون انذار، مثل الزلازل الجيولوجية".