قدمتْ لي زميلة زارت الكويت بدعوة من جامعة الكويت كتابا أنيقا ، له غلاف راق عليه لوحة أكثر من معبرة للفنان الكويتي (عبدالله القصار) . (بنت النوخذة) ، كتاب يحكي سيرة ذاتية للسيدة الكويتية لولوة عبدالوهاب القطامي ، هذه السيدة كنا فتيات صغيرات نتابع مسيرتها عبر صحافة الكويت في أواسط الستينيات ومعها كوكبة من سيدات كويتيات رائدات ومنهن السيدة فاطمة ملا حسين. وربما إحدانا تتثاقل في كلامها حتى تصبح كأنها هي . سيرة بنت النوخذة زاخرة ، راقية العبارة ، سلسة كأنها صديقة تحكي لنا ماحدث لها ، تزدان بصور جميلة لأيام بعيدة ومع كل صورة لا نملك إلا ان نفغر أفواهنا دهشة ، مع رؤساء وقادة ورؤساء أحزاب ، حتى الصين وروسيا . عندما نتابع هذا الخط الجميل في الكتابة غير المتكلفة ، والذكريات تنساب عفوية ، نجد الإمتاع وربما شيئاً من لذة لاسترجاع بعض المواقع التي مررنا بها أو عرفناها . بالنسبة لي كانت أحداث السيرة قبل عودة صاحبتها للكويت بعد رحلة تعليمها في بريطانيا ، هي الجزء الذي أمتعني جدا، أما بعد وصولها للكويت فذلك كنا نعرفه كثيرا من خلال الإعلام الكويتي الذي لم يألُ جهدا في سبيل إبراز تلك الأنشطة وتقديمها للجمهور ، ونحن نتلقف تلك الثقافة القريبة منا موقعا ومجتمعا . أعترف أنني شعرت بغيرة كبيرة في حين كانت الطائرة تهتز بلولوة القطامي وأخيها عبداللطيف ، كانت الشوارب آنذاك تهتز لو ضبطت فتاة تحاول تهجّي حرفا . أو تفتح نافذة، أو تطل متطاولة من سور سطح المنزل . ترى كم سرق من وقتنا وأعاق التنمية في المجال الإنساني للمرأة .؟ وكم اغتصب من حقوقها ؟ أعود للسيرة فالمحطات التي أوردتها القطامي في سيرتها جميلة ومؤلمة في بعضها ، أعترف أن عينيّ دمعتا أكثر من مرة مع روايتها ، واسترجعت أشياء من تجربة سابقة لنا مع فرق الزمن والوسائل .. أثر بي كلامها عن شقيقها ذاك الحب ، وتلك الرعاية، لم أتمالك عيني وهي تبكي لوفاته .. حيث شاركتنا أحاسيس حبها له ورفقه بها حتى وفاته . ضحكت كثيرا من سرقة حمام الملكة من ساحة الطرف الأغر ، حمامات أحضرها أصدقاء أخيها وعملت لهم كبسة حمام ، عثر الزبال على أرجل الحمامات في القمامة وقدمها للشرطة، وحوكمت هي وشقيقها ، وكان الحكم غرامة 25 جنيهاً (كبيرة جدا في ذاك الزمن) أو السجن شهرا ، تعاونا في جمع المبلغ مع السراق الأصليي.. الزبال أعطاها وأعطتنا بدورها الدرس : كل في موقعه مسؤول عن الوطن وأمنه ولو كان مجرد حمامات سائبات . أما حكاية قطفها تفاحة من حديقة الدير حيث كانت تدرس، ثم السجن ليوم مع شربة خروع بغرفة ملأى بالتفاح ، فهي حكاية مبكية ومضحكة.. حكاية تمسّكها بالصيام رغم كل ما حولها ، وما صادفته من متاعب بسبب ذلك وامتداد الشمس حتى العاشرة ، وصعوبة الحصول على إفطار معقول أو سحور .. معاناة هذه الفتاة تؤلم وتفرح بالوقت ذاته..حتى انقذها خطاب من والدها . وبالتالي غيرت مديرة الدير(المامير) من مواعيد الأكل وأنواعه . السيرة لم تقف كثيرا فيها عند بيتها في الكويت قبيل السفر ولا البيت الآخر في البصرة حيث كان يقيم الكثير من أغنياء الكويت في أجمل الأحياء يشاركهم بعض تجار نجد، وكان لهم منتجعات في مزارع النخيل ، كما لم تقف عند الحياة في مدرسة الراهبات في البصرة تلك المدرسة التي خرجت الكثير من بنات وبني الطبقة الراقية البصرية . لكنني سأقف .. ربما في يوم آخر.. عند لوحة الغلاف تلك المعبرة والزاخرة بالوقت ذاته ..