إيران تريد أن تكون قوة إقليمية تتصرف بدوافعها المذهبية والقومية، ولديها وهْم القوة بأن محيطها هش يُفترض أن يكون مجالاً حيوياً لها، وهذا فكرٌ يصدق على الماضي عندما تشكلت الامبراطوريات ثم دالت بسبب تقادم الزمن عليها ليظهر فكر نهوض وسقوط الأمم، وهي اعتبارات تاريخية من المستحيل عودتها بنفس المضامين والأيدلوجيات والأطر.. فالشيعة العرب ليسوا طابوراً خامساً يُستخدم لكبرياء فارس، لأن المواطنة لاتصنعها تركيبة قومية ومذهبية، أو أعراف قبلية، وإلا فإيران هي خليط يسمح، إزاء القمع المتواصل أن يحمي العرب أقلياتهم، وكذلك الأتراك والأذريون والبلوش وغيرهم، ثم من حق العالَم السني في العالم الإسلامي التدخل بحماية ال(30٪) الذين يشكلون القوة الثانية في التراتبية المذهبية.. لو قبلنا حجج إيران، فهل من حق القبائل، والقوميات وغيرهما أن تفرض وضع خطط لحماية أرومة يمنية في الحبشة يمنحها رخصة التدخل في شؤون دولة مستقلة، أو أن أقلية عرقية أفريقية في دولة مجاورة يفرض قانونها الحرب من أجلهم.. لقد حمى الغرب الأقليات البيضاء في أفريقيا وخاصة في جنوب أفريقيا من خلال العقلية الاستعمارية القديمة، لكنها فشلت لعوامل بشرية وتاريخية، ووجدت نفسها تمارس عنصرية لا تملك مقومات البقاء، ولذلك فقانونية التدخل باسم حزب، كما كان يفعل الاتحاد السوفياتي، أو أقلية فرنسية أقامت في دول المغرب العربي، أو أخلاط متداخلة في جمهوريات السوفيات، تجعل قضية الحروب أمراً يتقرر من أي دولة، ودون مراعاة للقوانين والضوابط التي تحكم العالم.. ومثلما فجّر المعارضون الشارع الإيراني، وتم قمعهم بدكتاتورية المرشد، فإن نجاح ثورات العرب عزز موقف العودة إلى التظاهر وانتشار العدوى لمن فقدوا حرياتهم، ووصلوا إلى خط الفقر، ثم إن قمع الحريات بأي سببٍ هو منطق عطلته أيدلوجيا التقنية الحديثة، والتي أصبحت مثل الأوبئة سريعة الانتشار، وإيران لا تستطيع أن تنفصل عن محيطها العربي والإسلامي، ولا عن دواعي ما أعطته الحضارة الإنسانية من مفاهيم عززت قوة الشعوب على وصاية الزعامات العسكرية أو الدينية، ولأن الحرية لا تشترى، فإيران، من خلال وضع شعوبها وأقلياتها، مرشحة لأنْ تدخل الصراع بين السلطة الدينية، والقومية الفارسية التي ترفع شعار النقاء العرقي على بقية مجتمعها، وأقلياته.. في الخليج العربي ظهر نجاد يجرّم دخول قوات درع الجزيرة البحرين، وأن بيان وزراء خارجية دول المجلس جاء بضغط أمريكي، بينما أمريكا نفسها، هي من تدخل باستمرار الفوضى بمعنى أن التصرف الخليجي غير مرحب به أمريكياً، وهذا ينفي أننا تحت وصاية أمريكا، وبالتالي لا نسمح لإيران بأن تملي علينا ما نريد، وعليها تدبير شؤونها الداخلية المتصدعة قبل إعطاء النصائح للآخرين..