حفز دخول الصحف الالكترونية إلى الإسهام في المتابعات الإعلامية والتغطيات الصحفية لمختلف الأحداث اليومية المحلية والدولية، الصحف الورقية على أن تتابع هذه الأحداث بشكل متسارع، وبشكل يسعى إلى تحقيق قاعدة مهمة من قواعد اللعبة الإعلامية وهي السبق والانفراد في تقديم الأخبار والأحداث للقارئ. إنني لا أخفي انحيازي لهذه الصحف الالكترونية التي باتت تشكل أفقا إعلاميا منافسا للصحف الورقية، بل أصبحت هي الأسرع وصولا إلى الأخبار بحكم طبيعتها التقنية التي تتعامل مع فضاء عالمي مفتوح على مختلف الأحداث والمواقف والأقوال ومختلف الأدبيات الكتابية من المقالات والانطباعات والآراء والقصص الخبرية، والصور التي تتراكم يوميا من كل جهات الأرض. ومع أن هذه الصحف الالكترونية لا تعول كثيرا على المسألة التحريرية وتسعى لتقديم الأخبار والمواد الإعلامية كما هي بصيغتها وبصورتها السريعة، فإن مادتها الإخبارية أكثر وصولا للقارئ الذي يتابع الإنترنت،خاصة لدى جيل الشباب الذي يستطيع التعامل مع الشبكة العنكبوتية وإفرازاتها الخبرية بكل دقة وسرعة ويسر. هذه المسألة أطاحت بالجانب الخبري بشكل أو بآخر لدى الصحف الورقية التي باتت تركز أكثرعلى افتتاحياتها،وعلى تغطياتها للأحداث،وعلى ملفاتها، وزواياها اليومية وصفحات الرأي، ومن هنا فإن العمل التحريري في الصحف اليومية بات أكثر احترافية، وأكثر خبرة بما يمكن أن يقدم للقراء، وأصبح اختيار العناوين و(المانشيتات) الصحفية من أولويات الصحف اليومية، فضلا عن تقديم مادة تحليلية للأحداث والأخبار قد تفتقدها الصحف الالكترونية بشكل نوعي، وهذا يفسر سر وجود الصحف اليومية، كما يفسر سر بقاء اهتمام القراء بها إلى اليوم. وفي صحفنا السعودية التي بادرت لإنشاء مواقع الكترونية لها على الشبكة العنكبويتة نجد هذا الحس المتسارع المنافس، ونجد آلية تحديث الأخبار على هذه المواقع ما يفوت على الطبعات الورقية، وهو ما يؤذن بالقول إن تغيرا صوب الرؤية المتحركة المتفاعلة مع الحدث بات يشكل استراتيجية إعلامية لدى هذه الصحف،في مختلف صفحاتها وأقسامها المتخصصة. وقد عقد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مؤخرا لقاءه التحضيري الأول حول: "الإعلام: الواقع وسبل التطوير: حوار بين المجتمع والمؤسسات الإعلامية" ودارات نقاشات جدية حول تطوير الإعلام، وضرورة انفتاحه أكثرعلى القضايا الخدمية، حيث ركز اللقاء على واقع الإعلام السعودي، وضرورة تعزيز دور الإعلام السعودي، ومواكبته لكافة متطلبات الحياة بما يتناسب مع مكانة المملكة، وخصوصيتها الدينية، كما ركز على المنطلقات الشرعية والفكرية للإعلام السعودي والعمل على تطوير الإعلام من خلال: ورش عمل متخصصة، وتدريب الكادر الإعلامي، وتوفير أحدث الأجهزة، واستثمار آليات الإعلام التقني الجديد، والعناية أكثر بتقديم لغة إعلامية جديدة. واقع الأمر أن الصورة الإعلامية باتت أكثر جلاء ووضوحا في السنوات الأخيرة، ففي الصحف اليومية يتسنى لنا أن نقرأ عددا كبيرا من الزوايا والأعمدة الصحفية التي تتناول بالنقد بعض مجريات المواقف والأحداث المحلية في بعض القطاعات الرسمية، وجلها يركز في الخدمات اليومية التي تقدم للمواطن في الصحة والتعليم والتوظيف، والوزارات الخدمية، والقطاعات الاقتصادية، يضاف إلى ذلك ما نجده في صفحات الرأي بالصحف السعودية التي تطورت بشكل كبير، وتخلت عن اللغة الوجدانية الانطباعية التي كانت تحفل بالذاتية والنرجسية أحيانا، إلى لغة أخرى أكثر واقعية وعقلانية في مناقشة مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية. إن صفحات الرأي باتت من العلامات الجوهرية على تميز أي صحيفة يومية، خاصة أنها تقوم بقراءة الأحداث وتحولاتها، وتقوم بالتعليق والتحليل والقراءة الموضوعية لأبرز الأحداث في الداخل وفي عالمنا العربي، وفيما يجد من مواقف دولية تتعلق بمنطقتنا العربية. لقد خطا الإعلام السعودي خطوات مهمة صوب قراءة الواقع ومتغيراته، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولم يعد إعلاما مسليا، بقدر ما أصبح إعلاما مسؤولا، يطرح الآراء والتصورات، ويراقب القطاعات الخدمية، ويسعى لقراءة مختلف القضايا والأحداث وإبرازها للقارئ العام، ليتسنى له التأمل، وطرح الأسئلة القارئة المتفاعلة التي تجعله يعيش الواقع بكل مواقفه وتحولاته. * مساعد الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني