لا تزال الصحافة اليومية السلطة الرابعة والمرآة الصادقة - تقريباً - لكثير من قضايا المجتمع وظواهره المختلفة سلباً وإيجاباً، وهمزة وصلٍ قوية بين المتلقي وأصحاب الرأي بالمجتمع.. وفي الآونة الأخيرة ومع تحوّل كثير من صحفنا الورقية إلى الجانب التقني، وتمثيلها بالإنترنت عبر صفحات إلكترونية ضمن مواقع خاصة بكل صحيفة؛ باتت أقرب من ذي قبل في التفاعل مع المجتمع بكافة أفراده ومستوياتهم التعليمية والثقافية؛ حيث أُتيح للجميع - وتحت رقابة حرّة للصحيفة - المشاركة بالرأي في كل ما يُطرح بالجريدة من أخبار أو تقارير أو مقالات، وبمساحة جيدة جداً للتعبير وبزمنٍ آنٍ ساعة نزول المقال أو الخبر . وأصبح لذوي الأقلام والرأي القدرة على لمس وجسّ نبض المجتمع من خلال ردود المتلقين على ما يُطرح من رأي أو خبر، وباتت تتصدّر صفحات الصحف الإلكترونية «بَنَرات» تحمل عناوين : أكثر مقال أو خبر زيارةً، وأكثر مقال ردوداً .. وهكذا؛ مما يعطي انطباعاً لعلاقة تأثّر وتأثير باتت ظاهرة بشكل مترجم وصريح بين الكاتب والمتلقي؛ في صورةٍ تكاد تشكّل رأياً عاماً للمجتمع حول قضية أو رأي من الآراء التي تهمّه . ومن زاوية أخرى انقسمت آراء المتفاعلين مع الخبر أو الرأي الإلكتروني بين مؤيدين بقوّة ومعارضين بتطرّف، وفي نفس الوقت ظهرت هناك الآراء المعتدلة التي تنظر بحكمة وبهدوء ، ولا يخفى أن كثيراً من الردود تدخل في دائرة التنفيس أمام واقع أُصيب الكثير باليأس من تغييره، وفي المجمل كل تلك الآراء بتعددها تكشف عن الواقع الثقافي للمجتمع ودرجة وعيه تجاه قضاياه، هذا التبادل الآرائي الإلكتروني يرسل كثيراً من المؤشرات الإيجابية والسلبية حول قدرة المجتمع في التعامل مع كثير من الأمور المستقبلية القادمة بعصر يزداد انفتاحاً يوماً بعد يوم . ومع توسّع كثير من الصحف ذات المتابعة المجتمعية في إصداراتها الإلكترونية التي باتت تسبق إصداراتها الورقية في الوصول إلى الناس؛ وفي ظل هذا التقارب الإعلامي بين المجتع وقضاياه أصبح من الضروري جداً قيام مؤسسات إعلامية لتحليل تلك الآراء المتبادلة بين الناس وما يُطرح من قضاياهم والخروج بنتيجة توضّح توجّه المجتمع واحتياجاته بكافة أبعادها الحياتية . ولا شك من وجود جهات لقياس التوجهات المجتمعية والآراء والقضايا التي تهمّ الأمة في كل مكان، وإلا فقد بات الفرد المتابع للأحداث على علم ودراية بما يهم مجتمعه ويقضّ مضجعه ليل نهار، ولكنّ توحيد الجهود والثمرة تكون بذلك التعاون المطلوب بين أصحاب القرار والاتجاه العام للمجتمع للخروج بحلول تنهض بقضاياه وتسهم في مسيرة تنميته نحو التقدّم والتطوّر الحضاري المأمول . حسن محمد شعيب - مكة المكرمة