ما يحدث في العالم العربي من تقلبات أتت بها (رياح التغيير) لم تتخذ الشكل الشامل لانقلاب سياسي عام مضمونه إحداث تغيير يعم أركان الوطن العربي، إنما هي ثورات داخلية جاءت نتاجا لظروف محلية بحتة اقتصادية وسياسية واجتماعية فرضها واقع اخذ فرصة كاملة لاحداث فرق في حياة الناس دون ان يستغلها، بل وربما أساء لنفسه قبل ان يسيء الى الآخرين عبر تمسكه بمواقف لم يحسب نتائجها ولا تداعياتها فكانت العواقب وخيمة عليه. لست هنا لأحكم على شعوب أو قيادات، فلكل أسبابه ومبرراته في الفعل ورد الفعل وايضا تحمل نتائج الافعال وردودها، والتاريخ هو من سيكون الفيصل لا أحد غيره. ما دعاني للخوض في هذا التحول التاريخي الذي يشهده وطننا العربي الكبير المحاولات المتتالية للإعلام الاسرائيلي إقحام (اسرائيل) في الشأن العربي بصورة سافرة لا مواربة فيها ولا حياء، وكأن (اسرائيل) هي من تقود عملية التحول في العالم العربي وتحرك خيوطه كيفما شاءت وتنتظر نتائجه بفارغ الصبر مستفيدة مما تؤول اليه. في صحيفة هآرتس كتب الوف بن (وهو محلل سياسي دائم في الصحيفة) مقالا عنونه (خريطة المنطقة الجديدة بعد الثورات .. كان هناك سلام وسايكس بيكو) تحدث فيه مستقبل العالم العربي في ظل التغيرات الحاصلة ورؤيته لما سيؤول اليه. وسأنقل لكم فقرة توضح الفكر الاسرائيلي وطموحاته التي بالتأكيد تصب في مصلحته أولا وأخيرا. يقول الكاتب: (في السنوات القريبة القادمة ستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة، أو متجددة: جنوب السودان، كردستان، فلسطين، بل وربما كوريكا في شرق ليبيا ،الصحراء الغربية التي ستنفصل عن المغرب، جنوب اليمن، وانشقاق سورية الى دولة سنية ، دولة علوية ودولة درزية.)، طبعا لم ينس كاتب المقال التعريج على دول الخليج، وهذه رؤيا نقرأها ولا نحترمها لانها نابعة من فكر استغلالي عنصري لا يرى أبعد من أرنبة أنفه. في الفقرة التالية وهي - وهي الأهم - يكشف الكاتب عن استفادة (اسرائيل) من الخريطة الجديدة المزعومة فيقول :(الخريطة الجديدة ستؤدي الى بناء منظومات علاقات جديدة بين دول المنطقة، وتكمن فيها فرص كبيرة لاسرائيل. السياسة الاسرائيلية بنيت دوما، حتى قبل قيام الدولة، من الخصومات بين الجيران العرب والمسلمين. الوحدة العربية والاسلامية تعتمد بقدر كبير على العداء لاسرائيل، التي فضلت لهذا الغرض الوطنيات المنفصلة لجيرانها. فكلما كانت دولا أكثر في المحيط، سيسهل على اسرائيل المناورة بينها). حديث لا يحتاج الى تعليق فهو واضح جدا ويعبر عن الاتجاه الفكري في (اسرائيل) إزاء الأحداث، ممزوج بالأماني ان تصبح الدول العربية دويلات عبارة عن فتات يمكن التعامل معها بالطريقة التي تناسب المصالح الاسرائيلية بغض النظر عن أية مصالح أخرى للطرف الآخر. من حق أي دولة ان تبحث عن مصالحها، فالعالم اليوم تنازل عن المثاليات وتركها بين دفوف الكتب لصالح المصالح الواقعية التي تمليها الاحتياجات سواء كانت بعيدة المدى أو قريبته. هكذا تفكر (اسرائيل) تريدنا دويلات اضعف من دويلات الطوائف في الاندلس التي انتهت بخروج مذل للعرب والمسلمين من شبه الجزيرة الايبيرية، (اسرائيل) تريد ان يعود التاريخ للوراء ليوم ترى فيه العرب والمسلمين خاضعين لرغباتها ملبين لمصالحها، من حقها ان تحلم بهكذا يوم، وايضا من حقنا ان ندافع عن مصالحنا بكل الطرق المتاحة لانه في نهاية الامر لنا أجندتنا الخاصة التي لا تتوافق أبدا مع الاجندة الاسرائيلية.