منذ اندلاع ثورات الربيع العربي, والحديث عن نظرية المؤامرة لا يتوقف. فهناك من يقول بأن ثورات الربيع العربي ما هي إلا مؤامرة لتدمير الدول العربية وتقسيمها بهدف السيطرة عليها. ولقد تحدثت يوم أمس عن كتاب «الوجه المخفي للثورة التونسية، الأصولية والغرب: تحالف محفوف بالمخاطر الكبرى» للفيلسوف التونسي مازري حداد الذي ظهر في أول ديسمبر 2011 الماضي الذي يكرس هذه النظرية. كما أن هناك سلسلة من المقالات والتحليلات يتبنى أصحابها نظرية المؤامرة. آخر تلك التحليلات وأقربها هو مقال لثعلب السياسة الامريكية هنري كسينجر وزير الخارجية الامريكى ومستشار الأمن القومي الامريكي السابق يؤكد فيه أن ما يدور في منطقة الشرق الأوسط حالياً هو تمهيد للحرب العالمية الثالثة التي سيكون طرفاها هما روسيا والصين من جهة والولاياتالمتحدة من جهة أخرى .. وأن هذه الحرب تنتظر إسقاط حجر واحد من أجل إحداث التوازن .. وهذا الحجر هو إيران. وهنا تأتي مهمة إسرائيل التي ستشن حرباً جديدة بكل ما أوتيت من قوة، مُدعمة من الولاياتالمتحدة، لقتل أكبر قدر من العرب وهو ما يثير الدب الروسي والتنين الصيني اللذين سيتم دحرهما والتفرد بالعالم. وهي حرب توقع كسينجر أن تكون شديدة القسوة تخرج فيها الولاياتالمتحدة كمنتصر وحيد، وقوة عالمية وحيدة تسيطر على العالم. وساعتها سيكون نصف الشرق الأوسط على الأقل قد أصبح إسرائيلياً. وهكذا فإن ثورة «الربيع العربي»، في رأي أصحاب نظرية المؤامرة، ما هي إلا تمهيد لاكتساح المنطقة وتنفيذ خطة (حدود الدم) التي ظهرت لأول مرة في العام 1994 من دهاليز الصهيونية الى الادارة الامريكية, والتي تهدف الى إعادة تشكيل الشرق الاوسط وإلغاء تقسيمات سايكس بيكو واستبدالها بدويلات دينية واثنية وعرقية وطائفية جديدة, على غرار ما حصل في العراق والسودان, وما سيحصل في مصر وشمال افريقيا وغيرها. وهو ما يُفسر قبول واشنطن وتل ابيب بالتحولات في المنطقة .... وبأنه قد تم تحديث تلك الخطة في عام 2006 واعلنت عنها كونداليزا رايس تحت اسم الشرق الاوسط الجديد او الكبير اثناء حرب يوليو على لبنان . إن ثورات العرب اليوم، تواجه ما تواجه من مؤامرات الاحتواء والانحراف بها عن مسارها وتصويرها كخطر وتهديد ماثلين، بدل التعامل معها كفرصة للإصلاح والتغيير والنهوض، ومصدر قوة للأمة لا يقدر أبداً. لكن وإن عذرنا أمريكا وإسرائيل التي تُسخر كل جهودها لإفشال هذا الربيع العربي الجديد لتخوفها من تأثيره على مصالحها وأمن إسرائيل، فإنه لا عذر لأيدٍ عربية تحمل معول الهدم بدلاً من أن توجه جهودها للتعمير والبناء! نافذة صغيرة: [حدثت كل تلك الانتفاضات والثورات الشعبية لأن ظروف قيامها تهيأت في زمن أصبح فيه الإنسان يطالب بالخبز ومعه الحرية والكرامة! فالرجاء من المؤمنين بنظرية المؤامرة احترام عقولنا، ولو قليلا، فهناك فرق بين المؤامرة وبين هوان النفس والجهل والتخلف التي تمهد الطريق لاستغلال الآخرين لنا.] أحمد الصراف – القبس الكويتية [email protected]