أدت ردود الأفعال العنيفة التي استقبل بها بعض لاعبي فريق كرة القدم بنادي الشباب لاسيما النجوم منهم للائحة العقوبات والجزاءات التي أقرتها إدارة النادي إلى إحداث ضبابية حيال اللائحة من غالبية أطراف الحراك الكروي في وسطنا الرياضي، إذ بادر بعض الإعلاميين من صحفيين وكتاب إلى الاصطفاف مع اللاعبين تعاطفاً معهم، ولم يتأخر بعض اللاعبين السابقين في انتقاد اللائحة، إذ اعتبروها محاولة من إدارة النادي لتسليط قوتها على اللاعبين بأدوات يتم تلبيسها قانونياً، في حين سبقهم إلى ذلك بعض وكلاء اللاعبين؛ وخصوصاً من يرتبطون بعقود مع بعض لاعبي الفريق إذ قاموا بتصويب سهامهم نحوها؛ ليس اعتراضاً على بنودها، وإنما انتصار للاعبيهم ليس إلا. منع اللاعبين من حضور المناسبات الإعلامية دون علم الإدارة لايحق للاعب تبادل القمصان مع الخصم.. والحسومات تشمل التواجد في الأماكن المشبوهة تلك الهجمة الضروس أدت إلى معاداة اللائحة وظلمها في ذات الوقت، إن بسبب عدم قراءتها -أصلاً- من بعض الأطراف، أو للاجتزاء في القراءة من أطراف أخرى باختيار بعض اللوائح وترك أخرى من أجل إضعاف اللائحة، وتلبيسها لبوس الظلم والجور، في حين أن أية قراءة وإن كانت سريعة؛ فضلاً عن أن تكون قراءة فاحصة تعطي حقائق مغايرة عما أشيع عنها، بل إن التفحص فيها والتدقيق في مقرراتها تجعل المنصف يصطف إلى جانبها؛ باعتبارها تمثل درجة متقدمة في السمو الاحترافي، وشكلاً من أشكال الوعي الحقيقي بقيم الاحتراف كمهنة. اللائحة الشبابية والمادة الثلاثون ولا يمكن إثبات حقيقة مطابقة لائحة العقوبات والجزاءات الشبابية لمقتضيات الاحتراف الحقيقي إلا بمقاربتها مع لائحة احتراف لاعبي كرة القدم الصادرة عن الاتحاد السعودي من جهة، ومقاربتها أيضا مع قواعد السلوك العام للاعب المحترف. إن محلياً أو دولياً؛ باعتبار أن المحترف في السعودية إنما يمثل حلقة في منظومة الاحتراف الدولية، ولا يعدو الاختلاف في العادات والتقاليد منافياً لمكنون الاحتراف وأبعاده. كما يحاول البعض التذرع بذلك، وإنما يمثل اختلافاً في الثقافة ليس إلا، والتي لا تتعارض مع الانضباطية العامة للاحتراف كمشروع مهني لمحترفي كرة القدم. ولذلك فإن لائحة نادي الشباب وفي مقدمة صفحتها الأولى تؤكد على أن بنود اللائحة ومضامينها إنما هي "تطبيقاً للمادة الثلاثين من الفصل الثامن من لائحة احتراف لاعبي كرة القدم في السعودية الصادرة عن الاتحاد السعودي لكرة القدم"، وهي المادة التي تتناول ثلاثة بنود رئيسة هي التي تتعلق أولا: بعقوبات الأندية المطبقة للاحتراف، وثانياً: عقوبة لاعبي كرة القدم المحترفين، وثالثاً: بعقود اللاعبين المحترفين، بل إن البند (الثاني) من المادة (الثلاثين) والمتعلق بعقوبة لاعبي كرة القدم المحترفين ينص على أن "حرصاً على تطبيق الانضباط الأمثل للاعبي كرة القدم المحترفين، ومع مراعاة لوائح العقوبات الأخرى المعمول بها في الاتحاد، يحق للأندية أن تطبق على لاعبيها عقوبات تتناسب وطبيعية المخالفات أو سوء السلوك او التجاوزات، ومنها التي يمكن أن تصدر عنهم وفق لائحة عقوبات داخلية للأندية تجيزها اللجنة كما هو وارد في التزامات الأندية". قانونية وليست ارتجالية من يضع لائحة نادي الشباب تحت مجهر التحليل الحيادي، بعيداً عن لعبة الميول، وبمنأى عن صراع المحسوبيات، ومتجاوزاً معركة الاصفافات، فإنه سيجد فيها نموذجاً للائحة القانونية التي تبتعد عن الارتجالية في الصياغة والاستعدائية في التعامل، بل إنها لا تكاد تترك شاردة وواردة إلا وتأتي عليها؛ بدءاً من الباب الأول الذي يتضمن تعريفات لمصطلحات اللائحة مثل "الرئاسة، الاتحاد، النادي، الرئيس، المجلس، الفريق، الإداري، اللاعب، وحتى الوصول للأجر الشهري". وتظهر الاحترافية بجلاء في تعريف مصطلح "الأجر الشهري" الذي ظلت ذهنية الهواية تراه متمثلاً في الراتب الشهري الذي يتقاضاه اللاعب نهاية كل شهر، بينما تعرفه اللائحة ب: "مجموع ما يحصل عليه اللاعب من قيمة عقده الإجمالي (مقدم - رواتب) مقسمة على عدد أشهر التعاقد"، وهو المصطلح الذي استفاض رئيس النادي في شرحه في أحد تصريحاته ليزيل بذلك الضبابية عنه؛ خصوصاً فيما يتعلق بغياب أثر العقوبة على اللاعب إذا ما ارتبط الحسم براتبه الشهري، على عكس إذا ما تم ربط الحسم بأجره الشهري، حيث سيكون المبلغ ذا قيمة فعلية، وأثر واضح في تقويم سلوك اللاعب وردع تجاوزاته، فضلا عن ان المنطق يقول بأن ما يتقاضاه اللاعب من مقدم عقد ليس منحة أو هبة، وإنما هو أجر مقدم نظير عمل سيقوم به اللاعب لاحقا، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يتم الحسم منه ما لم يلتزم بأداء المطلوب منه. نفاذ اللائحة قبل أو بعد إن واحدة من الإشكالات التي تبدت على إثر إقرار اللائحة هي ما ذهب إليه بعض اللاعبين ووكلاؤهم بأن اللائحة تم إقرارها بعد توقيع العقود وليس قبلها، ما يعني عدم إلزاميتها، على عكس ما تنص عليه (المادة الرابعة) الخاصة بنفاذ اللائحة، وحيث إن مثل هذا الطرح صحيح من حيث الشكل؛ ولكنه يتناقض مع المضمون الذي تحتويه اللائحة إذ إن بنود اللائحة مطابقة لمقررات الاحتراف وليس بدعة فيها، فضلاً عن أنها تتوافق وكل تشريعات الاحتراف سواء التي يقرها الاتحاد السعودي أو حتى الاتحاد الدولي، إذ لا تعدو كونها التزام من اللاعب تجاه ناديه فيما يتعلق بواجباته العامة كما في (المادة السادسة من الباب الثاني)، وواجباته الفنية كما في (المادة السابعة من الباب الثاني)، وواجباته السلوكية كما في (المادة الثامنة من الباب الثاني)، وبالتالي فإن من حق اللاعب أو وكيله أن يعترض على أي بند من بنود اللائحة ويتظلم وفق ما تنص عليه مواد (الباب السادس) كالمادة (الساعة عشرة) الخاصة بالجهة التي ترفع إليها التظلمات والتي تتعلق بالتظلم لرئيس مجلس الإدارة، والمادة (الثامنة عشرة) الخاصة بالمدة المقررة للبت في التظلمات، والمادة (التاسعة عشرة) الخاصة بالتظلم للجنة الاحتراف في الاتحاد السعودي. قرارات احترافية ولعل ما يفضح عدم وجود مبررات للهجمة على اللائحة أن مقرراتها في بنودها كافة إنما هي تنظيم للقواعد والسلوكيات التي ينبغي أن يكون عليها اللاعب المحترف الحقيقي قبل أن تكون تلويحا بالعقوبات، وهي ما تظهر بجلاء في كافة الواجبات التي تقررها اللائحة سواء الواجبات العامة كما في البند (3) من المادة (السادسة) في الباب (الثاني) الذي ينص على "العمل على إبراز الصورة الايجابية للنادي من خلال مظهر اللاعب وسلوكه وتصرفاته داخل وخارج النادي" أو الواجبات الفنية كما في البند (3) من (السابعة) في الباب (الثاني) والذي ينص على "الحرص على سلامة الحالة الصحية والبعد عن كل ما يؤثر على المستوى الصحي للاعبن سواء كان في كامل لياقته الطبية والفنية، أو تحت مظلة العلاج الطبي، وفي جميع الأحوال طوال ارتباطه بعقد مبرم مع النادي"، أو الواجبات السلوكية كما في البند (3) من المادة (الثامنة) في الباب (الثاني) والذي ينص على "الحرص على المظهر العام وعدم القيام بأي عمال أو تصرفات تتسبب في الإساءة لصورة واسم النادي أو إظهاره بشكل سلبي وعلى وجه الخصوص التصرفات المثيرة للانتقاد والصادر فيها تعميم من الرئاسة مثل القزع والسلاسل وصبغ الشعر والرسم على الجسد وما في حكمها من تصرفات". عقوبات متدرجة ومما ينفي وجود استعدائية في اللائحة تجاه اللاعبين أن العقوبات جاءت متدرجة في الحسم وبحسب نوع وجسامة المخالفة إذ تبدأ ب 5 بالمائة من الأجر الشهري كما في البند (1) من المادة (التاسعة) في الباب (الثالث)، والذي ينص على "في حالة التغيب عن تمرين غير رئيسي"، ليصل إلى الحسم بنسبة 30 بالمائة كما في البند (15) من المادة (الثانية عشرة) في (الباب الثالث) والذي ينص على "الإفراط في السهر والتواجد في أماكن لا تتفق مع وضعه كلاعب كرة قدم"، إلى أن تصل بعد ذلك إلى ما نسبته 40 بالمائة كما في البند (4) من المادة (الثالثة عشرة) في الباب (الثالث) والتي تنص على "اللعب لأي جهة أخرى خلاف المنتخبات الوطنية ما لم يكن ذلك بناء على إذن كتابي من إدارة النادي (مباريات الاعتزال والمباريات الخيرية). اعتراضات جوفاء ولا يخفى على المتابع الحصيف أن بعض اللاعبين ممن استهلوا التجاوزات، وتفانوا في الخروج عن النص، وأدمنوا ضرب قواعد السلوك الاحترافي لم ترق لهم اللائحة التي ستسهم في شل تحركاتهم في هذه الاتجاهات، وهو ما دفعهم للاجتزاء من اللائحة لتصويرها بصورة الظالمة والمتخلفة أيضاً. ساعدهم على ذلك بعض وكلائهم المستفيدين، إذ لعبوا في ذلك على وتر العاطفة الجماهيرية تجاه النجم، وعملوا على جذب بعض الإعلاميين المعروفين بنزعتهم للفرقعات الإعلامية، وهو ما دفعهم لتهويل بعض البنود كتلك المتعلقة بالبند (18) من المادة (الثانية عشرة) في الباب (الثالث) الذي ينص على "حضور مناسبات إعلامية أو اجتماعية أو حفلات تكريمية بدون علم إدارة كرة القدم"، وهي أمور لا تذهب بعيداً عن الاحترافية؛ خصوصاً وأن مصطلح "مناسبات اجتماعية" قد يُحمّل أكثر مما يحتمل، وعليه فمن الطبيعي أن يتم إخطار إدارة النادي بنوعية المناسبة ومكانها ومدتها أيضا، حتى لا تكون ذريعة للتجاوز وكسر النظام، وكذلك فيما يتعلق بالبند الخاص "بمنع تبديل فنايل المباريات مع لاعبي الفريق المنافس بعد انتهاء المباريات لما قد يسببه ذلك من نقص في أطقم المباريات" وليس في هذا البند ما يستحق التصعيد أو التهويل إذا ما علمنا أن قميص النادي ليس حقا مكتسبا للاعب أثناء تأدية المباراة، فضلاً عما قد يترتب على عملية المبادلة دون علم النادي من أضرار بطقم الفريق خصوصا في ظل تحديد اللجان الفنية للبطولات أرقاماً محددة للاعبين، والواناً معينة للفريق، عدا عما تسببه هذه العملية من خسائر مادية في حال الإضرار بالطقم بأكمله.وتتضح عملية الاستقصاد في التصويب على اللائحة من خلال تهويل البند (3) من المادة (العاشرة) في الباب (الثالث) والتي تفرض خصم 10 بالمائة من الأجر الشهري، وهو الذي ينص على "استعمال الهاتف المحمول في (الباص- خلال الوجبات- الملعب- العيادة الطبية)"، على الرغم من إدراك الجميع بما يسببه استخدام الجوال من تشتيت ذهني، وغياب للتركيز، فضلا عما قد يؤدي استخدامه في تلقي اللاعب لأنباء حزينة في أوقات حساسة؛ خصوصا تلك التي تسبق المباريات ما قد تؤدي بالإضرار باللاعب كفرد وزملائه كفريق، وبالتالي فإن منع ذلك يحقق مصلحة للاعب وللفريق بشكل عام، وهو الأمر الذي لا يختلف عن منع استخدام الجوال في بعض مناطق العمل بالنسبة للموظفين والعمال وفق ما يقرره نظام العمل. النجاح في تجاوز العقبات إن إدارة نادي الشباب أحسنت صنعاً بإقرار اللائحة، وستكون قد أمسكت بزمام الأمر إذا ما تجاوزت هذه المرحلة الصعبة، كونها تمثل مرحلة التأسيس للوعي الاحترافي، وهي أهم مراحل العمل الاحترافي، وستجد نفسها حتماً في وضع أفضل إذا ما تحولت اللائحة إلى ثقافة عمل، شريطة أن يبدأ الالتزام بتنفيذ مقررات اللائحة من الإداريين أنفسهم، لأن التجاوز وفق المحسوبيات والاعتبارات سيؤدي باللائحة إلى الفشل.