سين وحسب(*)، أما هذا الكتاب فهو إجابة بعد إجابة على أسئلة نبشت من قاع روحي الكثير مما تراكم فيه، وساعدتني على مواصلة رحلتي القديمة والمستمرة في سبيل اكتشافي لذاتي. وفكرة الكتاب نبعت من حوار طويل، أجراه معي أعضاء منتدى "مدينة على هدب طفل" على الانترنت، وفقا لآلية تطلبت مني أن اجلس كل يوم، لعدة ساعات وعلى مدى أكثر من شهر، أمام شاشة الحاسوب لأجيب بشكل كتابي مباشر على الأسئلة التي كان يضعها أعضاء المنتدى تباعا. وقد وفرت لي تلك التجربة التي كانت جديدة بالنسبة لي قوة إضافية في مجابهة وهني الشخصي أمام جبروت السؤال وسطوته، فعلى الرغم من تعلقي بعلامة السؤال دائما، وشغفي برسمها في نهايات الجمل كلما آن لفضولي أن يمد رأسه بين الكلمات الكثيرة الا انني كنت أشعر بالنقص والعجز أمام تلك القوة الكاملة الكامنة وراء تلك العلامة المعقوفة على فيض من الدهشة، والمنحنية بجمالية أخاذة على المزيد من الاحتمالات الغامضة. ولم يكن أمامي سوى التصدي لها بمحاولات دؤوب في نحت ما اعتبره اجابات محتملة، ولا اجابة نهائية على أي سؤال وجدت نفسي أقف أمامه في يوم ما. تبقى الأسئلة مفتوحة وبالتالي يظل كل الكلام الممكن مجرد احتمال للاجابات المنتظرة. لقائي مع اعضاء منتدى "مدينة على هدب طفل"، فكرت أن اجمع ما تشتت من مقابلات صحفية أجريت معي على مدى سنوات طويلة، فأضمها الى لقاء المدينة وأصدرها في كتاب واحد، لكنني عدلت عن الفكرة لاحقا، عندما اكتشفت الكم الهائل من تلك المقابلات، وحاجتي لفرزها فرزا دقيقا قبل أن اقدم على خطوة نشرها في كتاب أو كتب، والاهم أن لقاء مدينة على هدب طفل بعدد السائلين فيه وتنوعه واستمراريته اليومية المباشرة وسجاليته الحميمة وجدليته أحيانا يختلف عن بقية اللقاءات الصحفية بطبيعتها التقليدية وتحضيراتها المسبقة، وكل هذا جعلني أؤجل تنفيذ فكرة اصدار كتاب أو كتب للقاءات الصحفية حتى وقت آخر أكون فيه أكثر قدرة على تقديم تلك المادة الكلامية المتصاعدة عبر أجوبة وأسئلة بصيغة تحقق لي الحد الادنى من الرضا على الاقل. لكن جذوة الفكرة الأولى التي نبعت من لقاء منتدى "مدينة على هدب طفل" بقيت مشتعلة في بوتقة المشاريع المؤجلة على الرغم من مرور عدة سنوات عليها حتى جاء لقاء جديد مشابه لذلك اللقاء القديم أجراه معي منتدى انترنتي آخر هو منتدى "شظايا أدبية"، فرأيت أن اجمع اللقاءين المتشابهين في الفكرة العامة والمنبثتين في فضاء الانترنت المفتوح دائما ضمن كتاب واحد أحقق فيه جزءاً من حلمي القديم بإصدار كتاب يعتمد في مادته الأساسية على الأسئلة. وها هو الكتاب وقد استوى على عرش واسع من أسئلة ذاتية قديمة تتجدد باستمرار حول الشعر والذاكرة وعلل الروح خصصت لها الفصل الأول، أما الأسئلة المنتشية بدهشة الأجوبة فقد توزعت على فصلين تفصل بينهما ست سنوات تقريبا، اختلفتْ فيها بعض الاجابات عن نفس الأسئلة، كما اكتشفتُ وأنا أراجع مسودة الكتاب قبل إعداده للنشر، وإن بقيت النكهة واحدة دائما تحت سقف الشعر وحده. ولا أريد أن أنهي هذه المقدمة قبل أن أشكر أهل الأسئلة الذين شاركوني في صناعة هذا الكتاب في المنتديين، واستقبلوا تجوسي في فضاءاتهم المفتوحة بالكثير من المحبة التي تجلت في ترحيب عال احتفظت به بين تضاريس قلبي وان حذفته من سياق الحوارين، خجلا مما لا استحقه من كلمات موغلة في المديح غالبا، لتبقى الأسئلة وحدها كما تستحق. هاهو "سين" إذن.. يكتمل بجيم مفترض، ولا جيم نهائية حتى الآن. (*) مقدمة كتاب (سين.. نحو سيرة ذاتية ناقصة) الصادر حديثا.