ثورة الاتصالات جمعت المتضادات، وقلبت كثيراً من المفاهيم، بل وحطمت كثيراً من القيم، وفي مقابل ذلك نشرت العلم والوعي بين البشرية، ويُعد "البالتوك" من أحدث التقنيات الموجودة، فمن خلاله تعقد اجتماعات في غرف الكترونية بالصوت والصورة والبث المباشر في وقت واحد، وقد يفصل بينهم آلاف الأميال، الغريب أنه لا يخضع إلى جهات تنظيمية تشرف على السلوكيات التي تمارس فيه، مما يسهل استخدامه في غير ما صمم له. "الرياض" التقت ببعض مستخدميه، وعدد من الأكاديميين المختصين في التربية، وذلك لمناقشة أضرار سوء استخدامه. استعراض «مفاتن بنات» و«استهبال شباب» وابتزاز «عيني عينك» والنهاية «تصبحون على خير»! اللون «الأسود» للزائر المشارك و«الأزرق» لمشاهدة الصور الحية برسوم و«الأخضر» أكثر كاميرات وأسرع صُمم للتواصل يقول الشاب "عادل الشقحاء" -متخصص في البرمجة وعلوم الحاسب الآلي-: إن البرامج التقنية يتم تصميمها لتساهم في تطور العالم وتحضره، ولكن بعض شبابنا يسيء استخدامها، كما هو حاصل في تقنية "البالتوك"، فهذا البرنامج صُمم للتواصل عبر الإنترنت باستخدام الكتابة والصوت والصورة والفيديو، وبدأ ينتشر ويكتسب شعبية شيئاً فشيئاً، حتى أصبح برنامج المحادثة الأول والأشهر، مضيفاً أنه للأسف استغله بعض الشباب استغلالاً سيئاً. وعن كيفية الدخول لعالمه يوضح "الشقحاء" أن الزائرون لغرف "البالتوك" لا بد أن يكونوا محيطين بأبجدياته، ويحدد تميزهم في "غرفة الأوان" من خلال مدلولات معينة، فاللون الأسود لزائر يقرأ ويشارك ويستمع فقط، أما اذا تم صبغه باللون الأحمر فقد يكون من الإشراف والإدارة، أما اللون الأزرق فيتوجب على هذا الزائر دفع رسوماً لكل ثلاثة أشهر للحصول على مزايا معينة، كمشاهدة الصور الحية ب"الكاميرا"، مبيناً أن اللون الأخضر يكون أغلى من الأزرق، ويتميز في كثرة "الكاميرات" وسرعتها. متعة وفائدة ولأجل إثراء هذا التحقيق قامت "الرياض" بالتسجيل في البرنامج وسبرت أغواره، بل وتحادثت مع العديد من شخصياته المتنكرين، منهم شاب رمز لاسمه ب"النمر الأسود" ويقول: أنا من هواة استخدام "البالتوك"، ولكن ليس للاستخدامات السيئة كما يتهمنا البعض، مضيفاً أنه يقضي يومياً من ساعة إلى خمس ساعات للتنقل عبر أكثر من غرفه للفائدة والمتعة؛ لأن بعض الغرف تجذب روادها بالمسابقات والمناقشات العلمية، مشيراً إلى أن هناك غرفاً متخصصة في تداول الأسهم، ويجتمع فيها مئات الأشخاص الذين يتداولون وتطرح التوصيات والتحليلات والأخبار المتعلقة بها، ويشارك فيها أصحاب الخبرة والمعرفة في السوق دون مقابل ونستفيد من آرائهم، مؤكداً على أنه لا بد من وجود بعض التصرفات العبثية والسلوكيات "الغوغائية" السيئة التي تعكر أحياناً صفو الأجواء، ولكن هنالك إجراءات حازمة قد تنتهي بالطرد، إلاّ أن متبعي هذه السلوكيات وبكل أسف أكثر من أن تتم السيطرة عليهم، أو أنهم يعودون من جديد بأسماء مستعارة، ولكن الإدارة والمشرفين يميزون ذلك، وعن سؤاله لماذا تتنكرون برموز أو "نكّات" وليست أسماؤهم الحقيقية قال: لأن كل من يدخل "البالتوك" لن يدخل باسمه الحقيقي؛ خوفاً من أن أحدا سيعرفه، ذاكراً أحد أشهر شخصيات "البالتوك" وهو المسمى "لورانس" وكيف صال وجال واشتهر من خلال اسمه المستعار، ولم يكشف عن شخصيته إلاّ مؤخراً بعد أن دخل مجال التمثيل. غرف "البرايفت" وشاب آخر دخل البالتوك ورمز لاسمه "سعودي وافتخر" لم يتفق مع الأول في ما قاله، بل يرى أن غرف "البالتوك" مشهورة ب"الإسفاف"، وأغلب الشباب العربي لا يستفيد منها إلاّ للبحث عن المتعة المحرمة، مضيفاً: "كل من يدخل الغُرف حتى ولو كان قصده شريفاً سوف ينجرف في أول لقاء له بفتاة". ويؤكد كلامه شاب آخر رمز لنفسه ب"المرعب" معتبراً أن العديد من الغرف يجتمع فيها الشباب من الجنسين على كل ما هو محرم، بل وتنشط فتيات يتسابقن على بعض الغرف مع اقتراب الإجازات الصيفية؛ لإغراء الشباب وتسويق أنفسهن على أنهن من المملكة -وهذا غير صحيح-؛ بهدف "الضحك على الشباب"، وبعد ذلك يبدأن سحبهم إلى غرف "البرايفت" الغرف الخاصة لمزيد من التعرف، مضيفاً: "أعرف عدداً من شبابنا انساقوا وراء الفتيات، بل وسافروا إلى بلدانهن"، ذاكراً أن أموال وأوقات شبابنا تستنزف من خلال غرف البالتوك، دون أن نجد من يعترض على ما يُبث من خلالها. ترفيه غير بريء وتحدث شاب ذكر أنه عاطل عن العمل ومتخرج من الجامعة منذُ أكثر من خمس سنوات، حيث كَوّن غرفة خاصة بالعاطلين كان القصد منها في بداية تأسيسها البحث عن الوظائف وتناقلها فيما بين الأعضاء، مبيناً أنه مع ازدياد أعداد المسجلين في غرفنا بدأ يفد إلينا العديد من الشباب والفتيات الباحثين عن الترفيه غير البريء، ليبدأ تغير مسار الغرفة من بحث عن الوظائف إلى بحث عن المتعة المحرمة، إلى جانب التنابز بالألقاب وتصنيف البشر، مشيراً إلى أنه بدأ بعض الفتيات بالدخول ب"نكّات" ذات ألوان مدفوعة يقوم بعض الشباب بصبغها لهن مجاناً، وتلك الفتيات يحاولن بكل وسيلة للإيقاع بالشباب، موضحاً أن الشباب في كل ليلة ينتظرون بفارغ الصبر إطلالة تلك "الغواني" عليهم ليمتعوا أنظارهم بمفاتنهن، متسائلاً: ما هي الأسباب والدوافع التي تجبر مثل هذه الفتاه لتقوم بمثل هذا العمل؟، مؤكداً على أن هناك غرفاً تديرها شبكات دعارة ويرتادها الفتيات غير السويات، متسائلاً مرة أُخرى: أين الرقابة الأسرية؟، وهل من المعقول أن تترك فتيات في سن المراهقة طوال الليل أمام شبكة الإنترنت دون رقيب؟. أغراض فكرية وقال طالب جامعي: إن بعض الغُرف تستخدم لأغراض فكرية غريبة، الأمر الذي دعاه إلى عدم الدخول لها، والاتجاه إلى أُخرى يجد فيها المتعة والفائدة الكثيرة، ناصحاً بعدم دخول مثل هذه الغرف؛ لأنه ليس كل شاب واثق من نفسه، كما أن النفس أمارة بالسوء؛ لأن بعض هذه الغرف يدخلها أُناس غير أسوياء، لافتاً إلى أنه وصل إلى قناعة بحذف البالتوك من جهازه فوراً، حتى يرتاح من تأنيب الضمير، مبيناً أن لكل تقنية محاسن ومساوئ، ومن المحاسن التي أدركتها إطلاع أحد العاملين بمكتب تعاوني للدعوة والإرشاد، أن المكتب نجح خلال شهر في دعوة العديد من الجنسيات للإسلام بواسطة البالتوك. رذيلة وضلال وشدد "د. عبدالله العويرضي" - مستشار ومدرب التنمية الأسرية - على أهمية تجنب غرف البالتوك التي يديرها عناصر منحرفة تجر الشباب إلى مواقع إباحية ومواقع تنشر الرذيلة، ناصحاً بالابتعاد عن غرف أصحاب الفرق الضالة؛ لخبث معتقد بعض أصحابها، والذين لا يدرك مقاصدهم إلاّ من كان على بصيرة في دينه وعقائد الفرق الضالة وأساليبهم وسلوكياتهم، متسائلاً: ما الفائدة من دخول شباب في عمر الزهور لهذه الغرف ومشاهدة كل محضور؟، وقد يكون وراء ذلك منظمات همها الكسب المادي وتلويث فكر شبابنا بمثل تلك المحظورات، مناشداً مدينة الملك عبدالعزيز لتقنية المعلومات أن تتدخل لوقف هذا البرنامج أو تقنينه، وكبح العبث الذي يمارسه بعض شبابنا من الجنسين ممن لا يدركون عواقبه على المجتمع بأكمله. سلاح ذو حدين ويوضح "د. حمد الخالدي" - عميد معهد التنمية والخدمات الاستشارية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - أن لبرنامج البالتوك إمكانيات كبيرة، بل ويُعد من الوسائل الإعلامية المهمة، وهو سلاح ذو حدين يستخدم في الخير وفي الشر، ناصحاً بأن يتم استخدامه كوسيلة من الوسائل الإعلامية الحديثة في إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات، وخصوصاً الندوات العلمية بين الجامعات العالمية، إلى جانب إمكانية إقامة غرف خاصة للحوار بين الشباب؛ لكي يقولوا آراءهم بصراحة ودون ممارسة أي ضغوط عليهم، ولكي يتم التوصل إلى حل وسط في كثير من القضايا التي تهمهم، مضيفاً أنه نمى إلى علمه وجود غرف كثيرة يتنافى وجودها مع الآداب والأخلاق والقيم الإسلامية. برنامج «البالتوك» مثير ومخيف.. والشباب «ما جابو خبر» د. عبد الله العويرضي د. حمد الخالدي