تمكنت القوات الأمريكية، في بادرة رمزية لكسب قلوب وعقول السكان في منطقة زاري التي تعد معقلاً لحركة طالبان في إقليم قندهار، من انتزاع مدرسة ابتدائية قروية من قبضة المتمردين والاستماتة بالدفاع عنها. وتمثل مدرسة بير محمد الابتدائية في قرية سنجراي التي اطلق عليها القادة العسكريون الأمريكيون اسم»مشروع التنمية الرئيسي» جزءًا كبيراً مما تحاول القوات الأمريكية تحقيقه في أفغانستان: استمالة السكان الذين أنهكتهم الحرب وربط الناس بحكومتهم وتقوية وتعزيز القوات الأفغانية حتى تتمكن القوات الاميركية من العودة الى ديارها. ولكن النضال من أجل فتح مدرسة بير محمد بعد ثلاث سنوات من اغلاق طالبان لها يظهر حجم وطبيعة العقبات التي تواجه القوات الاميركية في معركة مكافحة التمرد المعقدة والتي يتوقف النجاح فيها ليس فقط على قوة السلاح ولكن على دعم شعب لا يشعر بالأمان. هناك معارك مشابهة تدور في جميع أنحاء افغانستان . ففي مرجة ، على سبيل المثال ، المعقل السابق لطالبان في اقليم هلمند المجاور ، فتحت العديد من المدارس منذ أن اجتاحت القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة المنطقة في فبراير. لكن العديد من الآباء لا يزالون يخشون من العنف ومن تهديدات طالبان التي تحرم على أطفالهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية التي ترى الأولى فيها محاولة لتغريب المجتمع الأفغاني. وقال النقيب نيك ستاوت وهو قائد سرية من الكتيبة 101 المجوقلة في فوج 502 مشاة « في سنجراي هناك مدرسون وقد التقيناهم وتحدثنا معهم وسألناهم إن كانوا على استعداد للعمل في المدرسة بعد افتتاحها ولكن جميعهم اجابوا بالنفي خوفاً من تهديدات طالبان». وتشبه قرية سنجراي الواقعة وسط الجبال عند قاع واد نهري خصيب القلعة المسورة ويقطنها نحو 10,000 شخص يتحركون في متاهة من الأسوار الطينية والأزقة. وتقع مدرسة بير محمد على الحافة الجنوبية الشرقية للقرية في زوج من المباني المتواضعة المكونة من طابق واحد وكانت تقدم خدماتها لمئات وربما الآلاف من الأطفال. وتشير لوحة صغيرة من الرخام الرمادي الفاتح عند مدخل المدرسة محفور عليها بحروف سوداء إلى تجديد القوات الأمريكية للمدرسة» في بادرة صداقة مع شعب افغانستان» في نوفمبر 2002 ، بعد عام من الغزو الأميركي للبلاد. وقامت القوات الكندية العاملة ضمن قوات حلف الناتو بالانتهاء من ترميم المدرسة وافتتاحها في عام 2005 ولكن في 2007 هاجمهما مقاتلو طالبان وحطموا نوافذها ونزعوا ابوابها. وعن ذلك الحادث ، قال الملا بسم الله قاري-30 سنة- ان مقاتلي طالبان أخذوا عشرات الأطفال رهائن وقطعوا اصابع بعضهم ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا آباء آخرين. وتعارض طالبان نمط التعليم الغربي وتنظر إلى المدرسة على ما يبدو باعتبارها رمزاً لسلطة الحكومة. وأشار قاري إلى ان طالبان تعتقد بان الأطفال سيجبرون على اعتناق النصرانية. ومنذ ذلك الحين ، كان لأطفال سنجراي مكان واحد فقط يذهبون إليه : حفنة من المدارس الإسلامية التي يديرها رجال الدين المحافظين مثل قاري والذين يقول القادة العسكريون الأميركيون عنهم انهم يربون جيلا جديدا من الشباب الأفغاني على التطرف. وقال قاري الذي كان يتحدث من خلال مترجم بينما راحت القوات الامريكية تفتش في حفرة في مدرسته يشتبه في أنها كانت مخبأ للسلاح انه يريد لأولاده الذهاب إلى مدرسة بير محمد ولكنه لا يستطيع ذلك لأن طالبان لن تسمح لهم بذلك" سيقتلوننا ويقتلون أطفالنا". وتحتل المدرسة موقعاً ذا اهمية كبيرة للمتمردين حيث أنه يشكل جزءًا من ممر تستخدمه طالبان في نقل السلاح والمقاتلين عبر القرى على طول نهر ارغنداب والى مدينة قندهار. في ابريل ، استولت القوات الامريكية على المدرسة في عملية عسكرية بدعم من القوات الافغانية ووجدتها والبوم ينعق بين خرائبها وقد اتخذ السكان من قاعاتها مكاناً لقضاء حاجاتهم وتناثرت على ارضيتها ابر على ما استخدمت لتعاطي المخدرات. عند وصولها إلى القرية نشرت وحدة ستاوت فصيلين لحماية المدرسة على مدار الساعة. وفي اليوم الثاني لوصول الوحدة أصيب أحد أفرادها برصاصة اخترقت رئته لكنه نجا من الموت. ولأسابيع ، اندلعت معارك شبه يومية مما اضطر المهندسون الأمريكيون إلى إزالة الجدران والأشجار القريبة من المدرسة والتي اتخذتها مجموعة من المتمردين مخبأ لها وعمدت مجموعة من قوات الامن الافغانية إلى إقامة نقاط تفتيش على الطرق المحيطة بالمدرسة وغير بعيد تقف مدرعة أمريكية على أهبة الاستعداد للدفاع عن جدران المدرسة الخارجية المتداعية. (طالبان) تأخذ الأطفال رهائن وتقطع أصابعهم لمنعهم من الانضمام إلى المدارس وتحولت المدرسة نفسها في الواقع إلى قاعدة عسكرية حيث كدس رجال ستاوت أكياس الرمل على النوافذ وثبتوا أعشاشاً للمدافع الرشاشة على الاسطح وملأوا الغرف بصناديق معدنية من الذخائر والصواريخ المضادة للدبابات. غير أن الاحتلال الأميركي للمدرسة أثار غضب شيوخ القرية. وفي منتصف يوليو ، طلب أكثر من 300 من اصحاب العمائم في سنجراي الحاكم الاقليمي الضغط على الأميركيين لمغادرة بير محمد. وعلم ستاوت في اجتماعاته اللاحقة بشيوخ القرية أن طالبان هي التي ضغطت عليهم للتحرك ضد الوجود الأمريكي. وبالرغم من الجهود التي بذلها الأمريكيون لكسب ود السكان المحليين إلا ان شيوخ القرية كرروا نداءتهم للقوات الأمريكية للمغادرة وتعهدوا بحماية المدرسة ضد أي هجمات مقابل الانسحاب وهو بالضبط ما اراده النقيب ستاوت لأن ذلك يتناسب مع استراتيجية أوسع تهدف إلى نقل مسؤولية الأمن للقوات الأفغانية وتحرير القوات الأمريكية على ارض الواقع. وهكذا انسحبت وحدة النقيب ستاوت في منتصف أغسطس وتركت للأفغان مهمة حفظ الأمن في القرية. ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ قال النقيب ستاوت ان الهجمات تزايدت بدلاً عن أن يعم السلام حسب وعد الشيوخ وفي غضون أيام تعرضت المدرسة لهجمات بالقنابل والصواريخ تسببت في مقتل صبي في السابعة من العمر كان يلعب مع أقرانه خارج اسوار المدرسة. الآباء يخشون من العنف والتهديدات.. ومن يتحدى طالبان مصيره القتل وبعد أيام على هذه الحادثة عاد ستاوت وجنوده إلى القرية وهم مسلحون بصورة بالحجم الطبيعي للصبي القتيل وقد غطت الدماء وجهه بالكامل. واغتنمها ستاوت فرصة خلال لقائه بشيوخ القرية للتنديد بطالبان التي لا تلقي كثير بال لسلامتهم أو سلامة أطفالهم. ولكن عندما طلب منهم المشاركة في دحر التمرد لووا رؤوسهم وانصرفوا وهم يغمغمون. ويبدو أن مهمة قوات الناتو بقيادة الولاياتالمتحدة في الفوز بقلوب الشعب الأفغاني من الصعوبة بمكان لأن هذه القوات تعيش في بروج محصنة تحيط بها جدران وحواجز ترابية. وتقوم الاستراتيجية الأميركية في كثير من الأحيان على اتفاقات هشة بين مجموعتين تبعدان عن بعضهما بعد المشرق من المغرب: قوات شابة بعضلات بارزة موشومة وشيوخ محافظين بعمائم ولحى بيضاء. وربما لا يكون هنالك مكان في العالم صعب كسب قلوب وعقول سكانه أكثر من زاري فهنا تأسست حركة طالبان قبل 16 عاماً وعلى بعد أميال قليلة إلى الغرب من سنجراي كان زعيم طالبان الملا محمد عمر يدير مدرسة إسلامية. وقال النقيب ستاوت انه من الواضح أن هناك الكثير من التعاطف مع حركة طالبان هنا وأن الناس هنا لايلقون لهم بالاً وليس نحن الوحيدين في ذلك فحتى القوات الأفغانية ينظر إليها كاجانب لأنها معظم افرادها ينتمون لقبائل الطاجيك والأوزبك والهزارة الذين شكلت رأس الرمح في القتال ضد طالبان التي يهيمن عليها البشتون في التسعينيات. وعن ذلك قال الملازم سعيد عبد الغفار وهو من الطاجيك " الناس في هذه القرية يكرهوننا. طالبان تقول لهم بأننا لسنا مسلمين حقيقين بل توصمنا بالكفر. الأطفال يرموننا بالحجارة ولا يردون علينا التحية".