تمكنت المعارضة من دفع شبح "الفوضى" التي لم يكف نظام العقيد معمر القذافي عن التهديد به، باقامة نظام امني جدير بالثقة وتأمين خدمات اساسية وان كانت الحياة في بعض المدن "المحررة" في ليبيا بعيدة عن العودة الى طبيعتها. ففي بنغازي التي تبعد الف كيلومتر شرق طرابلس، اغلقت المدارس منذ السابع عشر من شباط/فبراير تاريخ بدء حركة الاحتجاج الشعبية في المدينة التي تطالب برحيل القذافي حاكم البلاد منذ 42 سنة. كما اغلقت معظم المحلات التجارية وبات نشاط المرفأ يقتصر على ترحيل الاجانب. وقال مهند بوشالة مدرس اللغة الفرنسية في الجامعة الليبية "منذ 17 شباط/فبراير لم تعد المدارس والجامعة تعمل. لذلك انني موجود هنا بدون عمل لكنني اتعامل مع الثورة". وينتهز عدد كبير من الطلاب فرصة توقف الدروس للمشاركة في العصيان عبر التعاون في تنظيمه او التظاهر. وتشارك زهاء المنصوري التي تدرس اللغة الانكليزية في التظاهرات منذ البداية امام قصر العدل في بنغازي الذي تحول مركزا "لثورة 17 شباط/فبراير". وقالت هذه الشابة بخجل امام صديقتين لها في مجموعة من النساء اللواتي يفصل سياج بينهن وبين الرجال "نتظاهر لاننا نريد الحرية". وفي الحي التجاري وحدها المحلات التجارية الكبرى وبعض محلات بيع الهواتف النقالة تفتح بانتظام. اما في الجادة الساحلية التي تشكل عصب المدينة فقد ازيلت الحواجز. وقال محمد بوشالة "بعد ما جرى من مواجهات يشعر الناس بالخوف. حاليا اصبحت المدينة منظمة ولم يعد هناك مشكلة امنية. لكن يجب ان ننتظر قليلا ليعود الوضع الى طبيعته". ومن الصعب ايضا العثور على مطعم لتناول الطعام. والاحد فتح محل واحد في محيط قصر العدل المنطقة التي تضج بالحياة عادة، حسب السكان. لكن على الرغم من النشاط الضعيف جدا، نجحت اللجنة المدنية التي تولت ادارة المدينة في تأمين الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والماء وتأمين المحروقات والامن الاساسية كلها لتجنب الفوضى. ووضعت اللجنة حراسا لحماية المنشآت الحيوية من محطات كهربائية ومواقع بتروكيميائية وتعاونيات لتوزيع المواد الاساسية، وسيرت دوريات نهارية وليلية من متطوعين مسلحين. وعملت اللجنة التي اتخذت مقرا لها في المحكمة الكبرى والمبنى المجاور الذي كان يضم الامن الداخلي، على اقامة مركز صحافي لوسائل الاعلام الدولية. وقال عبد الحافظ غوقة الناطق باسم اللجنة الوطنية التي شكلت الاحد في بنغازي لتمثيل المدن التي تقع في ايدي الثورة ان "عمل المجالس البلدية يثبت ان تصريحات القذافي التي تتحدث عن فوضى -- في حال سقط النظام -- خاطئة". وتبعد بنغازي ثاني مدن ليبيا بسكانها ال700 الف، على بعد 400 كلم عن حقول النفط في خليج سرت. وكانت في عهد الملك ادريس السنوسي الذي اطاحه القذافي في 1969 تتمتع بوضع العاصمة مثل طرابلس. وبعد انهاء الاتحاد الفدرالي بوصول القذافي الى السلطة، اصبحت بنغازي معقلا لمقاومة الجماهيرية التي فرضها الزعيم الليبي.