ودعت العاصمة السعودية عصر أمس رجل التجارة والأعمال الشيخ صالح الراجحي والذي أسس ودعم صناعه الأوقاف بالمملكة وأصبح مضربا للأمثال لكل رجال الأعمال بجهده ومثابرته وتسخير أمواله لخدمة العمل الخيري ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على مستوى العالم الإسلامي. الفقيد صالح الراجحي طوى صفحة حياته ولكن لم تطو في سجلات التاريخ والذي يحفظ عن ظهر قلب ما قدمه من دروس لمجتمع الأعمال بدمج العمل التجاري مع العمل الخيري والتطوعي بقيامه ببناء وصيانة أكثر من 500 مسجد بأنحاء متفرقة حتى أصبح مثلا يحتذى به على كافة الاصعدة. الرجل العصامي الذي بدأ من الصفر وانطلق في عالم المال والأعمال حتى تصدر اسمه قوائم رجال الأعمال بالشرق الأوسط، بالأمس غادر الحياة ولكن لم تطو سيرته بعد لتنقل لكل الأجيال . بدأ الفقيد حياته الفعلية بتأسيسه مصرف مؤسسة صالح عبدالعزيز الراجحي الذي أسس عام 1356ه الموافق 1937م والذي يعتبر من أقدم وأبرز المصارف الوطنية بمدينة الرياض، حيث قام بدور حيوي هام، وقد رافق هذا المصرف تطور مدينة الرياض، فتطور مع تطورها، ونما مع نموها السريع، وفي حين أنه كان وما زال يحتل مكاناً بارزاً في حي الديرة بالرياض، إلا أنه مع ازدياد عدد سكانها قام المصرف في أواخر عام 1390ه بفتح فرع كبير له في شارع البطحاء ليقوم بكافة الخدمات المصرفية إلى معظم أنحاء العالم، بعد أن دعم جهازه الإداري بكفاءات كبيرة من الشباب السعودي، ومن أصحاب الكفاءات من الأشقاء العرب. وهو بهذا قد خفف الضغط على مركزه الرئيسي، وبالتالي استطاع أن يقدم خدمات أكثر بوقت أقصر. كويتيون: الفقيد رفع الدينار أيام الغزو وقدم الأموال للمحتاجين من الشعب للحديث عن بدايات تأسيس المصرف حكايات كثيرة مليئة بالرغبة والإصرار على النجاح مما مكن الفقيد لأن يكون أحد العمالقة المؤسسين للأعمال المصرفية في العالم العربي، مثله مثل شومان بالأردن، وطلعت حرب بمصر، والكعكي وابن محفوظ بالمملكة، وكان أخوه الشيخ سليمان الراجحي عضده الأيمن في المشورة، وإبداء الرأي، ومشاركته بالأعمال المصرفية، وخاصة عند تأسيس شركة الراجحي للصرافة والتجارة، ومن ثم تحويلها إلى شركة مساهمة عامة باسم شركة الراجحي المصرفية. الأمير نايف يكرم أوقاف صالح الراجحي لدعمها المتواصل للمجتمع ويومها ذهب صالح الراجحي وإخوانه للشيخ محمد بن إبراهيم، وعاهدوه على طهارة تعاملات البنك من الربا، وسيرها على نهج الاستقامة وفق الشريعة الإسلامية، وعرف عنه رحمه الله قوله "الآن خلت معاملاتنا من الربا بفضل الله رب العالمين، فإذا ما تسللت شائبة ما نرصدها ونجمعها، لنضعها في مشاريع خيرية نستفتي فيها المشايخ الكرام". وكان من أشد أنصار إنشاء هذا البنك الإسلامي سماحة الإمام عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالله بن حميد – رحمهما الله - وقد راجعوا معاملاته مراراً للتأكيد على خلو معاملاته من الربا . وأما الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – فكان يقول: أنا أكفلهم، وكان فرحاً بوجود بنك يسير بالتعاملات الاسلامية، بخلاف البعض الذين كانوا معارضين لهذا الأمر، لأنهم يرون أن البنوك الأجنبية لن تساير المصارف الاسلاميه في ذلك، وستمتنع عن التعامل مع الشعوب الاسلامية، وقد أيد هذا المصرف الشيخ عبدالرحمن السعدي – رحمه الله – وكان يرى أن المصارف الإسلامية ليس فيها شيء. مساعدات متعددة للجمعيات الخيرية من أوقاف صالح الراجحي وعدد الفقيد صالح الراجحي أبرز العلماء الذين تعاونوا مع المصرف من الهيئة العلمية وهم: الشيخ سليمان بن عبيد، والشيخ محمد بن عودة، والشيخ عبدالله بن عقيل، والشيخ صالح الحصين، وقال "كنا نسعد بتشديدهم علينا، لبالغ حرصهم على تطبيق الشريعة الإسلامية، ولله الحمد أحبنا المسلمون، وأحضروا أولادهم لدينا". وانتقد الفقيد في وقت سابق رجال الأعمال كثيري السفر مما يؤدي إلى إهمال أعمالهم قائلا "هناك أناس يملكون مؤسسات تجارية وشركات بأسمائهم لكن الذي يعمل فيها غيرهم، وهذا في اعتقادي ليس في مصلحة الوطن، بل أن بعضهم يذهب في رحلات تقدر بثمانية أشهر ولا يعرفون عن هذه الأعمال شيئاً، فكيف يتصور نجاح هذه المؤسسات". الفقيد مع أبنائه خلال السنوات الأخيرة الكويتيون: مواقف الفقيد لا تنسى وساعة إذاعة الخبر الذي تناقلته وسائل إعلام محلية وأجنبية بوفاة صالح الراجحي عمت موجاة الحزن للكثيرين من أبناء المجتمعين العربي والإسلامي وكانت أبلغ الرسائل المؤثرة ما تداوله المواطنون الكويتيون الذين استذكروا مواقف عدة للفقيد كان أبرزها الثناء على مصرف الراجحي والذي قالوا إن له مواقف طيبة مع الكويت والكويتيين، حيث قام بصرف الدينار الكويتي مقابل عشرة ريال سعودي في الأيام الأولى للغزو العراقي الغاشم، حيث كانت معظم البنوك الخليجية لا تقبل بصرف الدينار، وكذلك تقديمه الأموال للكويتيين المحتاجين الذين أقاموا بمدن المملكة إبان فترة الغزو العراقي قبل أكثر من عشرين سنة.