يخيم الصمت الرهيب على عائلة ربيعة سلطانة وهم جلوس حول مائدة العشاء في منزلها بكراتشي. العائلة لم تتحدث لابنتها -21 عاماً- منذ مايو الماضي وهو الشهر الذي خرجت فيه ربيعة للعمل بوظيفة أمينة صندوق في سلسلة مطاعم ماكدونالدز. وبخها شقيقها المحافظ لأنه حسب رأيه يرى بأن ربيعة مرغت شرف العائلة في الوحل لخروجها من بيتها للعمل والاختلاط مع الرجال خاصة وأن طبيعة عملها في المطعم تتطلب منها التخلي عن حجابها والاستعاضة عنه بزي موحد لماكدونالدز ذي أكمام قصيرة. لم يكتف الشقيق بالتوبيخ بل صادر زي عملها وصفعها على وجهها وهددها بكسر ساقها إذا رآها خارج المنزل. ربما تكون العائلة ساخطة على ربيعة ولكنها في حاجة ماسة لراتبها الشهري الذي لا يتجاوز المائة دولار تتبرع به بكامله لاستكمال تغطية ميزانية الأسرة حيث إن الرجال في عائلتها لم يعودوا قادرين على الدفع، بما في ذلك الرسوم المدرسية لشقيقاتها الأصغر سنا. ربيعة جزء من جيل صغير ولكنه متزايد من الشابات اللاتي ينحدرن من أسر فقيرة أقبلن على وظائف قطاع الخدمات لإعالة أسرهن وبالتالي وضع تقاليدهن الدينية والثقافية في كفة وحاجتهن للمال في كفة أخرى. النساء هنا اقتحمن ميدان العمل ليس عن طريق الحركة النسائية الوليدة ولكن بسبب التضخم الذي ارتفع بشدة إلى 12،7 في المائة من 1،4 في المائة في السنوات السبع الماضية. ونتيجة لذلك لم يعد راتب رب الأسرة كافياً لاطعام من يعولهم. وفي ذلك يقول رفيق رانجونوالا الرئيس التنفيذي لسلسلة مطاعم كنتاكي فرايد تشيكن في باكستان الذي ضغط على المسئولين في السلسلة لمضاعفة عدد النساء في قوة عمله بحلول العام المقبل أن عمل النساء ليس مجرد ضرورة اقتصادية فحسب بل حاجة أمة وإلا فإن باكستان لن تتقدم وستبقى بلداً من العالم الثالث لأن 15 في المائة من الناس لا يستطيعون إطعام 85 في المائة من السكان. وقد ارتفعت عمالة الإناث في كنتاكي في باكستان إلى 125 في المائة في السنوات الخمس الماضية. الفتاة تمارس العمل في مطاعم بعيدة عن منزلها هربا من تهديد الأقارب ونظرة المجتمع وقامت عدة سلاسل مثل ماكدونالدز وماكرو، حيث تضاعف عدد النساء العاملات بها أربع مرات منذ عام 2006، بتوفير خدمات النقل مجانا للموظفات لحمايتهن من المضايقات وللمساعدة في إقناعهن بشغل وظائف يمكن أن يواجهن فيها العداء. وتقول زينات هشام كبيرة الباحثات في معهد تعليم العمال والبحوث في باكستان "نحن مجتمع يمر بمرحلة انتقالية. الرجال في باكستان لم يتغيروا وأن حدث تغيير فهو لا يتم بالسرعة التي تتغير بها النساء. الرجال يريدون الاحتفاظ بالسلطة في أيديهم". وتضيف زينات "غالبية الناس هنا يأخذون بالتفسير التقليدي للإسلام. الرجال يتبعون فتاوى شيوخهم الدينيين الذين يعارضون خروج المرأة للعمل وخدمة الرجال الغرباء". وقالت أكثر من 100 من الشابات اللائي دخلن مجال العمل مؤخراً أنهن يتعرضن لمضايقات متواصلة. وفي بعض الأحيان تقضي بعض النساء المزيد من الوقت في صد الاعتداء عليهن أكثر من الوقت الذي يقضينه في خدمة العملاء. وفي طريقهن إلى منازلهن تتعرض النساء العاملات لصيحات الاستهجان في الحافلات وإلى مقاطعة الجيران والتنديد بهن. ومن الشائع جداً وسط إخوان العاملات مصادرة زيهن الذي تقدمه لهن الشركات مثل ماكدونالدز. ربيعة سلطانة في مطعم ماكدونالدز في كراتشي وحتى الآن، يظل اقبال المرأة على وظائف قطاع الخدمات محدودا جداً ويقتصر على نساء كراتشي. وفي أماكن أخرى في أنحاء باكستان لا تزال المرأة حبيسة المنزل أو تعمل في وظائف تقليدية مثل مصانع الخياطة أو مدارس البنات حيث الرواتب تكاد لا تبلغ نصف رواتب رفيقاتهن العاملات في مجال الخدمات. وحتى الشركات التي اقبلت على توظيف النساء مثل كنتاكي فرايد تشكن لا تزال توظف 90 بالمائة من الرجال. وتحتل باكستان المرتبة 133 من أصل البلدان ال134 في تقرير المشاركة الاقتصادية للمرأة على القائمة العالمية للفجوة بين الجنسين لعام 2010. وفي حين لا توجد بيانات موثوقة عن عدد النساء اللواتي يدخلن قطاع الخدمات، إلا أن قوة العمل النسائية في باكستان تحوم حول 20 في المائة، من بين أدنى المعدلات في أي بلد مسلم. وتضطر بعض النساء، مثل صايمة، 22 عاما، لتعيش حياة سرية لكسب 175 دولارا في الشهر. دخل والدها من عمله في متجر لا يكاد يفي بمتطلبات الأسرة. وكان العمل الوحيد المتوفر لصايمة التي لا تحمل شهادة جامعية هو استقبال الطلبات التي ترد عبر الهاتف لإدارة مطعم رئيسي وقاد اعجاب مديرها في العمل بها أن عرض عليها العمل نادلة بأجر أعلى في فرع بالقرب من منزلها. وقد وافقت صايمة على مضض ولكنها طلبت أن تعمل في فرع يبعد ساعتين عن منزلها حتى لا يرصدها أفراد الاسرة او الجيران. بعد ثلاث سنوات على انتقالها إلى وظيفتها الأخيرة لا تزال عائلتها تعتقد بانها تعمل في الطابق السفلي في مركز الاتصال الخاص بالمطعم. في مناسبات عدة خدمت صايمة اصدقاء قدامى لم يتعرفوا عليها بدون غطاء رأسها وارتفعت ثقتها بنفسها ولكن الذنب يستبد بها. وقالت صايمة وهي تجلس في ركن من مطعمها قبل وصول زملائها في العمل " لقد غيرت نفسي تماماً هنا لكني بصراحة لست سعيدة بما أفعله". وقالت النساء اللاتي جرى استطلاع ارائهن انهن يصارعن القوالب النمطية التي تنظر إلى المرأة العاملة على أنها منحلة. وفي بعض الأحيان يسيء الرجال تفسير بعض التصرفات البسيطة لمن يقمن بخدمتهن من النساء مثل الابتسامة. وفي هذ الصدد تقول فوزية التي تعمل أمينة صندوق في كنتاكي فرايد تشكن أنه في العام الماضي أن عميلاً فسر ابتسامتها خطأً وتبعها خارج الباب وحاول ارغامها على ركوب سيارته قبل ان تهرب منه. وقالت سونيلا يوسف البائعة التي ترتدي ملابس تقليدية في البيت وبنطال جينز ضيقا جداً في بوتيك الملابس العصرية مركز للتسوق في كراتشي أن خطيبها عرض عليها 100 دولار راتباً شهرياً مقابل التخلي عن عملها والبقاء في المنزل لأنه حسب قولها يعرف بان الرجل الباكستاني لا يحترم المرأة. وقال رانجونوالا "للأسف، مجتمعنا هو مجتمع النفاق. لدينا مجموعتان من القواعد، واحدة للذكور وواحدة للإناث". بالنسبة لفوزية، الجزء الاصعب من اليوم هو السير لمدة 15 دقيقة خلال الازقة الضيقة للوصول إلى منزلها. كانت فوزية ترتدي البرقع لإخفاء زي العمل ولكن الألسن تناقلت خبر عملها واصبحت تتعرض لأسئلة جيرانها واحراجاتهم. وكحل لهذه المشكلة تنفق بعض الشركات ما يصل الى 8000 دولار شهريا لنقل العمال من النساء في حافلات صغيرة. ولكن معظم الشركات غير مستعدة لتحمل التكاليف الاضافية لتوظيف النساء ومعظم المتاجر التي تبيع السلع الخاصة بالنساء لا توظف المرأة.